إليه متأخرًا جدًا

هل يمكن لشاب يلتقط صورة مع قطه الأليف أن يكون شريرًا؟ بل هل يمكن لشرير أن يرسم ذلك التعبير الصافي المضحك على وجهه؟

أعرف أنه لم يكن شريرًا قط، وأعترف أن أول مرة شاهدت فيها تلك الصورة انخلع قلبي وبكيته دون أن أعرفه، وأعرف أن كتابتي عنه تأخرت كثيرًا، ولكن الاعتراف بالخبال ليس مستحبًا لمن تخطت سن الخامسة عشر من زمن بعيد ولم تعد مراهقة خرقاء يضفي عليها (الهبل) سحرًا طفوليًا، فاعترافي أنني أحب خالد سعيد ليس اعترافًا مرحبًا به على الإطلاق لمن في مثل سني।

في أول مرة رأيت فيها الصورة -أيام كنت مهتمة بما يحدث حولي- صعقت وصدم ذهني سؤال ظل يتردد كثيرًا، خالد مات، إذن ماذا عنها؟ تلك الفتاة التي حتمًا تملك براءة تمكنها من جعل شاب يحب التقاط الصور مع القطط ويرتدي تيشرتات صفراء ويرسم تعبيرات مضحكة بوجهه أن يحبها، لابد أنها رائعة جدًا، ماذا عنها؟ بم تشعر بعد أن قتلوه ولم تتمكن حتى من النظر لجسده قبل الدفن لأنها سترى مسخًا مظلومًا حد الكفر، ماذا عنها؟ كيف تستطيع التأقلم مع فكرة أنه رحل غصبًا، رحل ضربًا وظلمًا، ماذا عنها؟

في أول مرة رأيت صورته مع القط وقعت في غرامه في نفس اللحظة، أعترف الآن أن صورة خالد سعيد تجعلني أبتسم حزنًا كلما رأيتها كما لو كنت أرى صورة أحد الأحباء الراحلين، أعترف أنني أحتفظ لخالد سعيد بصورة على جهازي ضمن ملف يحمل اسم "أصدقائي" وأعترف أنني أضبط قلبي متلبسًا بالدق بعنف كلما قابلت صورته صدفة في الشارع أو على النت।

خالد، أعرف أنك لم تكن شريرًا قط، أنا لم أقابلك قبلاً ولم أعرفك قبل أن تموت، ولكنني أشعر أنك لم تكن شريرًا قط، أنت شاب آخر طيب جدًا قتلت حتى تبقى وسيمًا للأبد، تلتقط صورًا مع القطط للأبد، أنت يا خالد كان لابد أن تظل ذلك الشاب هادىء الملامح "ابن الناس" الذي يظهر في الصور।

خالد، أعترف أنني لم أقرأ لك الفاتحة من قبل، في كل مرة أرى فيها صورتك أنشغل بدقات قلبي التي تتسارع عندما أراك وأنسى أن أتلو الفاتحة وأهديها لك، لكني أعدك أنني لن أنسى مجددًا।

خالد، هل تعرف أنني أكره كل الرسم الذي رسموه على كورنيش البحر؟ هل تعرف أنهم رسموا صورتك ضمن ضحايا الأحداث الأخيرة؟ هل تعرف أن تلك هي اللوحة الوحيدة التى أحبها جدًا؟ هل تعرف أنني أحرص في كل مرة أن أوجه عينيّ ناحيتك كي ألقي عليك السلام؟

خالد، هل تعرف أنني سألت كثيرًا عن مكان دفنك كي أزورك؟ أتمنى أن أزور قبرك وأقرِؤك السلام يا خالد، أنت لست صديقي حقًا ولست من دمي، أنت حتى لست من نفس الحي الذي أقطنه، فقط صورتك نفدت لقلبي مباشرة।

أعرف أنني كففت عن التحدث في الشأن العام من زمن، وقد كففت أيضًا عن متابعة الأخبار، وكففت أصلاً عن حب هذا البلد، ولا أتكلم هنا عن ملابسات قتل خالد سعيد، أنا فقط أتكلم عن شاب أحبه ولم أحظَ بفرصة مقابلته، بل لم أحظ بفرصة حبه حيًا ولا يعنيني فيم قتل ولماذا، ما يعنيني حقًا أن صورة خالد سعيد تصرخ بوضوح تام أن قتله كان فعلاً كافرًا ولم يكن أبدًا شابًا شريرًا يستحق أي شئ سوى أن يظل يلتقط لنفسه صورًا مع قطه الأليف।

ربما لو كنت قابلت خالد حقًا ما كنت أحببته، وربما كنت سأشعر فقط بالغيظ لو لم أر صورته مع قطه الأليف، ربما فقط كنت سأشعر بالظلم وأنني أعيش وسط كفار ولم أكن سأحبه إذا لم يكن قد قرر يومًا ما أن يكون وسيمًا جدًا بريئًا جدًا يلتقط صورًا مع قطه الأليف।

خالد سعيد، الله يرحمك.
 
كتاب المئة تدوينة. Powered by Blogger.

التصنيفات

القائمة الكاملة للتدوينات

 

© 2010 صفحة التدوينات المرشحة لكتاب المئة تدوينة