ذو العيون الزرقاء

فى زمن آخر وعوالم أخرى ..كان يوجد بجوار البحر قلعة محطمة يتوسطها تمثال لفتى يمسك فى يد ناى وفى الأخرى وردة، عيناه صافيتان بلون السماء تلتمع وسط وجهه بزرقتها. تقول الأسطورة أنه فى بلاد بعيدة فى زمن آخر كان يوجد مملكة عاشت لسنين مزدهرة.
وعندما رزق الملك بوريثه الوحيد وجد زرقة غريبة فى عينيه فهى كانت بلون السماء مع لمعة بها، تذكر كلام العرافة:
(عندما تحل زرقه السماء فى عينى غلام سوف تصبح المملكة أشلاء)
تجاهل الملك النبوءة بكبرياء ملكي؛ كيف يصبح ابنه الوديع هذا سبب فى تشتت المملكة؟
كبر الطفل وأصبح غلاما كان لقبة مابين الحاشية.. ذو العيون الزرقاء.. ذو العيون الزرقاء يهوى الشعر، ذو العيون الزرقاء يهوى العزف، ذو العيون الزرقاء يهوى الترحال، ذو العيون الزرقاء يجب أن يكون رجلا ليصبح ملكآ.

هكذا أعطى الملك أمرا ملكيا بذلك، حاول ذو العيون الزرقاء أن يشرح لوالده أنه يكره العنف والقتال بكل صوره، وأن الملك يجب أن يكون ذا عقلية متفتحة وليس فارسا لايعرف شيئا عن الحياة, وأن هناك طرقا أخرى بأن يصبح ملكا غير العنف.... بلا جدوى.
أرسل ذا العيون الزرقاء على أطراف البلدة ليتدرب على فنون القتال، حاول اعتياد حياة المحاربين ولكن بلا جدوى. إلى أن رآها ذات يوم
كانت مارة أمامه وتوقفت عندما رأته واقتربت منه وقالت له:
(ها أنت قد أصبحت غلاما سوف تحمى عرش المملكة وتوحد صفوفها بعد أن تحل عليها بالخراب)
لم يتفهم ذو العيون الزرقاء كلامها وحاول أن يستفسر منها ولكنها قد اختفت. كل ماجال بخاطره كلام والده فى إحدى رسائله له أنه قد بدأ يصدق كلام العرافة بكسله هذا عن تلبية نداء مملكته. وهنا أخذ ذو العيون الزرقاء عهدا على نفسه أن يثبت لوالده بانه مخطئ فى حقه.


مرت الأيام وبدأ يتجاوب مع حياته الجديدة، بدأ يترك الكتب والموسيقى تدريجًا, إلى أن أصبح يهوى الأسلحة والقتال. وعندما بدا متمرسًا فى القتال, استقبله والده بحضور يليق بالملك الجديد، وبدأت حاشية الملك تتحدث عن ولى العهد.. ذو العيون الزرقاء يهوى السيوف، ذو العيون الزرقاء يهوى القتال، ذو العيون الزرقاء يهوى الحرب، ذو العيون الزرقاء قد تغير، هكذا قد ساد فى القصر.
بدأ يبحث عن قتال وفرصة لتوسيع المملكة، حاول الملك العجوز إثناءه عن هذه الفكرة ولكن بلا جدوى، وبدأ فى حرب من صنع يده. حاول الفرسان أن يعدلوه عن قراره لكن بلا جدوى, أقنعهم بأن هذا فى مصلحة المملكة، حاول ضم بلاد ما وراء النهر لمملكته، ولكنها كانت بلادا قوية.

استغرق الحرب سنوات طويلة، استنزف موارد المملكة تدريجيا، ومع موت الملك أصبح ملكًا على مملكة صارت النزاعات داخلها سمة لها. اجتمع مجموعة من الفرسان على قتل ذي العيون الزرقاء فهو من جلب الخراب إلى البلاد. وفى ليله مقمرة رأى ذو العيون الزرقاء والده الملك فى حلمه حزينا بما صار لمملكته، وأنه كان لابد أن يتركه يتعلم أمور الملكية بطريقه أخرى:
"اتبع موسيقى قلبك وابحث عن العرافة"
هكذا قد استيقظ ذو العيون الزرقاء ووجد بجواره وردة، سمع صوت موسيقاه التي تركها منذ زمن قادما من بعيد، أخذ الوردة واتبع مصدر الموسيقى، سار لأميال وأيام وشهور. رأى بعينه ما الذى حل بمملكته, أخفى عينيه تحت رداء شحاذ لكى يتكمن من الأكل والشرب والاقتراب من الناس، سمع عن امتلاك بعض الفرسان لقصره الملكى وسمع عنهم بأنهم يحاولون جمع أشلاء المملكة وإنهاء الحرب.
كلما كان يواصل السير كلما اقترب مكان الموسيقى، سأل كثيرا عن العرافة، اعتقده الناس مجذوبا لأنها لا وجود لها. فى ليلة كان جالسا تحت شجرة يدندن بلحن قديم وفى يدة الوردة التى وجدها بجواره بعد رؤيته لوالده، جاءت نحوه امرأة عجوز قد عرفها فهى من جاءت إليه عندما كان صبيا. اقتربت منه محاولة أن تعرف إذا كان هو أم لا علامته لاتخطئ أبدا.. "إذا جاء من معه وردة...... يصير هو الملك"
وعندما اقتربت عرفته، اندهش عندما قالت له:
"ها قد أفقت من غيبوبتك وحان الوقت لتصلح ما أفسدته يداك."
علم من العرافة الكثير عن هذه الوردة، فهى قادمة من نبع الحياة من وادى الموت، من يستنشق رحيقها يزول كل الحقد بداخله. ذهب مع العرافة لبلد الحكماء، قد عرفوه بزرقه عينيه ووردته، علموه الكثير.

أصبح يرتحل فى أنحاء المملكة ومعه الوردة والناى، يعزف على أبواب أهالى ضحايا الحرب، يلتفون حوله ويسمعون غناءه ويستنشقون من الوردة. بزوال حقدهم من قلوبهم، صبح الطريق ممهدا أمامه ليجمع مملكته ثانية. ومع سماع الفرسان خبر رجوع ذي العيون الزرقاء وتجميع ماتبقى من المملكة، قرروا أن يساعدوه فى ذلك. وصار ذو العيون الزرقاء بمساعدة الحكماء والفرسان ببناء المملكة من جديد. وجاء وقت إنهاء هدنة الحرب بعث لهم بهدايا وبها أوراق من الوردة، وعندما أثمرت أوراق الوردة صارت الهدنة حلا نهائيا لإنهاء الحرب.

بنا ذو العيون الزرقاء البلاد وعم السكون والسلام، اعتاد الناس رؤيته ممسكا بالناى يعزف لأهالى الضحايا، فقد مازال يشعر بالذنب بما فعله لمملكته. كانت الوردة دائما معه فى ترحاله فى أرجاء المدينة. وذات يوم فوجئ أهل المملكة بذهاب ذي العيون الزرقاء وإيكاله المملكة للفرسان المخلصين، وجدوه بعد سنوات بجوار قصر قرب النهر مستندا على حجر وفى يده الوردة والناى بجواره متأملا بعيونه الزرقاء فى اللا نهاية وتسقط من عينيه دموع زرقاء نحتت بجواره (اغفروا لى)
حزن عليه أهالى المملكة، واندهشوا بسقوط دموعه الزرقاء وهو قد فارق الحياة، صنعوا له تمثالا مكان ما وجدوه ميتا، وأخذوا دموعة وضعوه مكان العينين فأصبحت تمثل زرقة عينه.


الكاتب:  شيماء حسن  المدوّنة: علامات 
 
كتاب المئة تدوينة. Powered by Blogger.

التصنيفات

القائمة الكاملة للتدوينات

 

© 2010 صفحة التدوينات المرشحة لكتاب المئة تدوينة