من قتل الديمقراطية؟

كان القائد العظيم جالسًا يتابع التلفاز فشاهد الرئيس الأمريكي وهو يقوم بالتريض بجوار كلبه، وعرف أنه يفعل ذلك كل صباح، فتعجب.. كيف يكون الرئيس الأمريكي بتلك البساطة ويقوم بالتريض بجوار العامة؟ فاتخذ قراره المصيري.
بعث إلى سفيرنا في الولايات المتحدة ليشتري كلبًا يكون على صلة قرابة بكلب الرئيس الأمريكي ويرسله إليه، وبالفعل تم ذلك لكن السفير لم يجد من أقارب كلب الرئيس الأمريكي إلا كلبة، فأرسلها إلى القائد المُظَفّر الذي سماها الديمقراطية، ليثبت للشعب أن الديمقراطية تلازمه دومًا، وهي أقرب المفضلين إليه.
أصدر مرسومًا بأنه يوميًا سوف يتريض في المنطقة المجاورة لقصره الرئاسي في أماكن العامة دون خوف أو قلق. قام الأمن بإخلاء المكان في فترة التريض من العامة فيصبح هو من يتريض في وسط العامة بلا عامة. وبدأت أولى جولاته الصباحية في التريض مع الديمقراطية، ولكن بعد مرور فترة قليلة شعر بالتعب، ربما كان قلبه مجهدًا، حاول أن يتذكر أين يوجد القلب إلى اليسار أم اليمين؟.. وضع يده على صدره لم يشعر بنبض، ربما كان بلا قلب، وابتسم لتلك المزحة التي صارح بها نفسه لكنه مجهد، ربما كان ضِيق تنَفّس، وجد أريكة تحت شجرة فرقد عليها ليستريح، فهو مطمئن، الشوارع كلها ملكه والنوافذ مغلقة بينما هو راقد تحت شجرة، برقت فكرة في رأس أحد مرافقيه، فأرسل إلى أحد صحفيي الرئيس ليأخذ صورة له وهو راقد تحت الشجرة، ويضع العنوان (حكمت فعدلت فأمنت فنمت يا أيها القائد) وعنوان آخر: (خليفة الفاروق) وتوالت العناوين المثيرة على نفس المنوال.
تبارت الصحافة في ذلك الإنجاز القومي، الرئيس العظيم ينام تحت شجرة ويتريض خارج قصره بين العامة. بينما العامة الحقيقيون محبوسون في بيوتهم لا يستطيعون النزول لعملهم طالما هو من بالشارع. أما طلاب الجامعات بالمنطقة، فقد تأخروا عن امتحاناتهم فذهبوا ليقدموا التماسًا لرئيس الجامعة أن التأخير كانوا مجبرين عليه بسبب تريض الرئيس، إلا أن رئيس الجامعة لم يرحمهم واعتبرهم كاذبين، فجناب الرئيس لا يجبر أحدًا ولا يحدد إقامة أحد وكل الصحف تثبت أن الرئيس يتريض بين العامة.
ذهب الطلاب لقصر الرئاسة ليقدموا التماسًا من سيادته بإعادة امتحانهم لأنه سبب تأخّرهم، بالطبع، وكأي رئيس دولة محترم رفض مقابلتهم واتهمهم بأنهم يروّجون الشائعات وهددهم إن نطقوا بحرف من تلك الهواجس سوف يلاقون ما لا يحمد عقباه، فهو مؤسس العدالة في المجتمع وحامي حمى الديمقراطية، لا يتجبّر ولا يحدد إقامات ولا يمنع الحريات ولا يستبيح الشوارع له.
في الصباح وفي حصة التريض اليومية لجناب الرئيس ورفيقته الديمقراطية بدأ يهز الرئيس جسمه، كان يجري بغرور وهو يشبه البطة في عَدْوِها، أما الديمقراطية فهي تفعل ما يفعل سيدها، تنظر لأعلى وتعدو، لا تنظر أمامها، لذلك لم تنتبه لفتحة الصرف الصحي التي لا تغلَق أبدًا في شوارع مصر، كأنها أحد معالم مصر الحضارية حتى في ذلك الشارع بالرغم من أن الأمن المصري لا يشقّ له غبار في تأمين الرئيس، إلا أنهم لم يروا تلك الفتحة، فسقطت الديمقراطية في فتحة الصرف الصحي، وماتت.
كانت نهاية الديمقراطية في بئر يحوي قبح الرائحة ودنس السوائل كي تختلط دماء الديمقراطية بالقاذورات. بينما هو وقف مذهولاً، كيف سقطت الديمقراطية؟ لا يفهم ولا يعرف من قام بفتح غطاء الصرف الصحي.
أمر كل قواته وحرّاسه أن يبحثوا عمن دبر ذلك الحادث المروع، ولم يفكر إلا ببعض الطلاب الذين أضاع مستقبلهم، بالتأكيد هم من انتقموا من الديمقراطية كي لا تعدو في منطقتهم مرة أخرى. فقام باعتقالهم ومحاكمتهم محاكمة عسكرية بتهمة الخيانة العظمى.
في اليوم التالي كان مانشيت الصحف واحدًا، وهو: (من قتل الديمقراطية؟).
 
كتاب المئة تدوينة. Powered by Blogger.

التصنيفات

القائمة الكاملة للتدوينات

 

© 2010 صفحة التدوينات المرشحة لكتاب المئة تدوينة