حين تبدأ قصة جديدة في الخروج للسطح لتتعامل مع الأحداث يزداد الصراع بينها وبين الواقع ومن ثم تتحول كل الأشياء في تلك القصة لرموز، كل رمز يشير إلى شيء ما يحمل فكرة أو يعبر عن شخص أو يحكي عن مشهد معين, تتكامل كل رموز القصة في النهاية لتخرج حدثًا سعيدًا أو حزينًا، لن يهم كثيرًا ولكن المهم هو أن تسجل نهاية، حتى وإن كانت نهاية مفتوحة.
ربما ينطبق هذا مع قصة نكتبها لفيلم أو رواية, ننسجها لمسلسل أو حتى قصة حياة شخص منا يكون رمزًا لأحداثه ونفسه, ولكن كل المأساة أن تتحول قصة أمة إلى عدة رموز تبدو جيدة براقة، ومن الداخل هي إلى حد ما فارغة من المحتوى التي تأَطَّرت بداخله.
تاريخ الأمة الذي بدأنا بتسجيله الآن, يومًا بعد يومٍ يزداد في الوصول للذروة، مازلنا بعد لم ندرِ ما هي تلك النقطة الحرجة التي سينطلق من بعدها ليتحول بشكل أو بآخر من تصارع الأحداث المهم وغير المهم المشوق والعادي، إلى أحداث ربما تكون عظيمة وقوية ومؤترة، ولكنها بطيئة في الحركة, لم نصل بعد لتلك المرحلة، لكننا في مرحلة ذروات متعددة, نقطة حرجة تتقاطع مع أحداث معينة، ثم نصل لنقطة حرجة جديدة, أحداثنا التي تحدث الآن هي قصة مختلفة بقواعد مختلفة، لذا ليس من الغريب أن تصبح -القصة ذات النقاط الحرجة-.
الفكرة الآن هي كيف لكَمٍّ ضخم من الأحداث والعمق أن يترمز برموز قليلة وغير مقنعة للجميع إلا لفئة تبدو كبيرة، لكنها محالٌ أن تقود لعمل بنائيٍّ حقيقيّ هيكلّ للبنية التحتية للوطن.
بدايةً، دعونا نتحدث حول فكرة الرمز وصناعته, نصنع الرمز غالبًا في مجتمعاتنا بشكل عاطفيّ, العاطفة تسيطر علينا أكثر، فمن يستطيع أن يصل بشكل قوي إلى القلوب -حتى وإن لم يكن يحمل فكرًا وعمقًا سياسيًا- يحرك راكدًا، ويصنع فارقًا, ويؤثر في الشارع.
ولكنه يحركهم لنقاط معينة, ربما يحركهم بكلمات عاطفية لصنع ثورة للخروج للشارع, فيلتف الناس حوله، لن يفكروا مثلما يفكر دَقيقو الملاحظة مثلاً, هم فقط سيرَون فيه دائمًا وأبدًا وجه نجاحهم، وجه مذاق الحرية، وجه العدل, لن يلتفتوا كثيرًا أو قليلاً، هل هو حقًا من قاد حركتهم؟ أم حرّكَهم أو ساعدهم على ذلك؟, لن يفكروا هل هو الرمز الذي يمكن أن يرمز للثورة في المحافل الدولية ويتحدث باسمهم وعنهم ويملأ الدنيا كلها بالحديث عن آمالهم وطموحاتهم أم لا.
يصير رمزًا لأنه أصبح وجهًا مألوفًا للسان الثوريّ, فيقع في أزمة، هل هو حقًا رمزًا يستحق أن يتفوّهَ بحديث سيسجله التاريخ؟ أم أن رموز ثورة الوطن مازالت لم تعرف بعد؟!!
الفكرة الآخرى هنا, إن كان واقعنا العاطفي الذي يسيطر على طريقة تفكير الشارع أدت برموز رائعة ولكنها خاوية إلى حد كبير, هل سنترك التاريخ يسجل خواءً من الرموز الحقيقية التى ستصنع فارقًا في عميق التجربة والتأمل في جوانبها؟.
أم أننا سنحاول كسر أيقونة الرموز تلك بإستكشاف حقيقة الأمور وإعادة تفريغ المفاهيم من جديد، وإعطاء أنفسنا فرصة أن نصنع رموزًا حقيقة، أو نبني الرموز الموجودة.
المحاولة لكسر الأيقونة ليست هينة أو يسيرة, المحاولة تحتاج إلى مهمة تغيير قناعة معينة لدينا، لدى المجموع هي قناعة أن كل من يفعل شيئًا بسيطًا ويلمعه الإعلام فهو الرمز والمفجر والرجل الخارق.
حين نحاول تغيير تلك القناعة، سنخرج أنفسنا من دائرة أن تُختصَر الثورة كلها في أربعة وجوه إعلامية أو أكثر قليلاً، وإننا سنضع الشعب كله تحت الدراسة فنكتشف أناسًا يحملون زخمًا فكريًا، وزخمًا من الأحداث تجعلهم يكونون أبطالاً أكثر من أي رمز لمع على الفضائيات.
كسر الأيقونة سيجعل الأفكار تتحرر من الشخصنة والتي بدأت تسيطر على التناول الإعلامي للثورة، أو سيطرت, وبالتالي سنرى أفكارًا وأناسًا ووجوهًا جديدة ستخرج للنور، تحكي وتوثّق، وتؤرخ التاريخ بفكر وبوعي أكبر، وبصورة تبدو وثائقية واعية عميقة بشكل أكبر.
وإن كان في وقت من الأوقات كانت تلك الرموز مهمة لتحريك الناس أو دفع الآخرين لصنع الأحداث واستمرارية العمل حتى نجاح الثورة, فإن المهمة الآن الأكثر أهمية، هي خروجنا جميعًا من تلك الرموز لوجه آخر للثورة.
وجه عميق يستخرج من داخل أروقة عقول الناس الأفكار ويتعمق في الخروج خارج المألوف والإطار المعروف.
فيصنع فارقًا في استغلال ما صنع الرمز بشكل عميق وممنهج، حينها نجد أنفسنا صنعنا رموزًا قوية تحمل وجه الثورة للعامة، وحررنا وجوهًا أخرى تحمل عميق التجربة، وامتزاج كلاهما يصب فى بناء الوطن وحفظ ثورته وتأريخها.
فلا كتب التاريخ ستقبل أن يكون حديث التاريخ بلا عمق، ولا التاريخ سيسامحنا حين نترك وجوهنا العميقة دون أن نصنع بوجودها فارقًا.