لا مكان

تتنامى إلى مسامعي أصوات أجراس الكنيسة القريبة في صباح ذلك اليوم الهادىء. الشوارع المنحدرة والصاعدة بطول المدينة، نظيفة تمامًا، البيوت القصيرة والصغيرة المتناثرة والمتلاصقة، تحفها حدائق صغيرة مرتبة، النوافذ المتعددة بستائرها الرقيقة وأحواض الزهور المنتشرة حولها، هبات هواء لطيفة تطيّر أوراق الأشجار الخضراء والصفراء والبنية المتناثرة على الأرض وتبعثرها من حولي، أطفال صغار بعيون ملونة وبشرة بيضاء وشعور شقراء يمشون في صف طويل فوق الرصيف المقابل متشابكي الأيدى بخطوات طفولية متأرجحة فى طريقهم إلى المدرسة، سيدات أنيقات يدفعن أمامهن عربات أطفالهن الصغار أثناء تمشيتهن الصباحية تحت أشعة الشمس. من حين لآخر يمر من تحتي راكبو الدراجات بخوذاتهم السوداء الضخمة وآخرون يمارسون طقوسهم الصباحية فى الركض بزيهم الرياضى الجذاب.
من داخل شرفتي أتابع المشهد بروتينية، يتصاعد بداخلي إحساس بالفراغ وثمة غصة في الحلق لا أقدر على ابتلاعها. تتضاءل أمامي الصورة تدريجيًا لتحل محلها صورة أخرى بشوارع صاخبة مزدحمة ووجوه سمراء ضاحكة وبيوت ساهرة لا تنام. من داخل شرفتي أخطو للداخل، أحكم إغلاقها وفرد الستائر جيدًا. أتناول حقيبة سفرى الكبيرة جدًا وأغادر.


الكاتب:  دينا خطاب المدوّنة: تناتيش

 
كتاب المئة تدوينة. Powered by Blogger.

التصنيفات

القائمة الكاملة للتدوينات

 

© 2010 صفحة التدوينات المرشحة لكتاب المئة تدوينة