الكتاب الذي يوسَم بالمرجع الجامع في مسألة العلمانية ولقراء اللغة العربية -إذا ما قرر العرب يومًا القراءة والتفكر- هو كتاب الدكتور عبد الوهاب المسيري [العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة].. وهو الذي طبعته دار الشروق على جزأين ..قصد المسيري في الجزء الأول أن يفصل (للنظرية) أي التعريفات عند مختلف المفكرين والفلاسفة، وأوجه التباين والتطابق بينهم والخروج بتعريف تقريبيّ للعلمانية، ولم يكتفِ بذلك، بل عرض بعض التعريفات الملتحقة بالعلمانية والملتصقة بها والتي غالبًا ما تمتزج مع غالبيتها في منظومة واحدة.. أما الجزء الثاني فقد حجزه المسيري لعرض (التطبيق) أي أمثلة تفصيلية لنظم طبقات العلمانية بمختلف الصور والمفاهيم.
عبد الوهاب المسيري في رحلته الفكرية العظيمة التي كان أكبر أهدافها الانتهاء من موسوعته الجامعة (اليهود واليهودية والصهيونية) في آلاف الصفحات، صادف في طريقه أثناء وضع الموسوعة عشرات الأفكار التي تتماسّ مع موضوع الموسوعة الأساسي، ولكن كانت تستحق أن يفرد لها كتبًا مستقلة، لذا، فلم يتأخر..وكان كتاب (العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة)ضمن هذه الكتب لحسن حظنا، وأفرد تقريبًا ثلثَ الجزء الثاني للعلمانية الصهيونية.
_________________________________
ماذا لو قال لك أحدُهم إن السلفية الإسلامية بها ملامح عظيمة من العلمانية؟
بالطبع الاتهام بالجنون والهرطقة والإلحاد جاهز ويسير، وغير مكلف، ويبرّئ الذمة ويغسل الضمير في سهولة.. وهذا بالطبع ضمن منظومة التخلف المُبتلاةُ بها أرض العرب منذ مئات السنين، ولا ينفكّ من جبروت سطوتها إلا قلائل يتنكر لهم مجتمعهم ولو بمنحهم فرصة الكلام، فيموتون كمدًا على سهام جاءت ممن اجتهدوا لإنقاذهم.
صاحب الجملة بالأعلي هو المفكر عبد الوهاب المسيري، وأوردها في كتابه السابق ذكره.. وقبل أن نسارع ونتهم ونتشنج، دعونا نتعرف على ما أورده المسيري عن العلمانية.
في البداية يشكو المسيري من عملية التسطيح التي تعرض لها المصطلح حين تم تناوله في المقالات والأحاديث على أنه يعني (فصل الدين عن الدولة)، ويؤكد أن هذا أخذ المصطلح إلى مناطق بعيدة ساذجة، لا تتقاطع مع المقصود. وبدراسة كل الظواهر الاجتماعية والنظريات وما الي ذلك، يصل المسيري إلى أن هناك (علمانيتين) لا واحدة..الأولي تسمى العلمانية الجزئية، وهي التي يمكن تعريفها بأنها فصل الدين عن الدولة.. بينما تُعرف العلمانية الشاملة على أنها فصل القيم الإنسانية والأخلاق عن النظام الاجتماعي كله، وتحويل المجتمع الإنساني كله إلى مادة استعمالية خالصة، تخدم مصالح فئة خاصة من البشر. ويستمر المسيري خلال الجزء الأول في إيراد المصطلحات والتعريفات التي توضح بشكل شائق المنظومة غير المحدودة للعلمانية الشاملة وما يلحقها من منظومات، مثل (التسلع)، وهي تحول الإنسان إلى سلعة يتم تداولها بعد عزل وقتل كل المشاعر الإنسانية والخصوصية الأدمية به، وتحول الأمر كله لمبدأ البيع والشراء مثل نجمات البورنو ونجوم كرة القدم مثلاً..
و(التَشَيُّؤ) وهو أن يَتحوَّل الإنسان إلى شئ تتمركز أحلامه حول الأشياء، فلا يتجاوز السطح المادي وعالم الأشياء. والإنسان المُتشيِّئ إنسان ذو بُعد واحد قادر على التعامل مع الأشياء بكفاءة غير عادية من خلال نماذج اختزالية بسيطة، ولكنه يفشل في التعامل مع البشر بسبب تركيبتهم، أي اننا نتحدث عن مجتمع السوق الحر والمجتمع الذي تتمحور اهتماماته حول السلع والاستهلاك...إلخ. و(الحَوسَلة) وهي كلمة منحوتة من جملة (تحويل كذا إلى وسيلة) سواء كان الطبيعة أو الإنسان، بإخراجهما من إطارهما ووضعهما في إطار مادي منزوع المشاعر والقيم.
وفي الجزء الثاني يورد أمثلة مباشرة وفي مختلف المجالات.
أيضًا للطّرز العلمانية الشاملة التي تحيط بنا الآن وسابقًا، وكان أكثرها تشويقًا وإثارة للرعب أيضًا هو المثال النازيّ وما قام به من فظائع إبّان الحرب العالمية الثانية ارتكازًا على مفهوم علمانيٍّ شامل يتشارك مع مفاهيم أخرى سكنت خلد القادة النازيين، وحثّتهم على القيام بكل هذا.. (لمزيد من التحقيق ابحث في يوتيوب أو في جوجل إيمدج عن العنوان:
Nazi concentration camps
أما عن ما قصده المسيري عن أن تحمل السلفية بضعَ ملامح من العلمانية الشاملة، فلأنه قد لاحظ على المجتمعات التي تتبنّى المفهوم السلفي التدين الشكلي الظاهري، ولكن السلوك الكلي والجَمعي تُعوِزه القيم الإنسانية والأخلاق.. فهم ليسوا بعيدين عن التسلّع والحوسلة -بنظام الكفالة مثلاً والاستهلاك السفيه للسلع-، كما أن سلوكهم المتدين في ظاهره لا يحُضّهم على التوحد مع مشاكل أوطانهم من امتهان لأحد أهم مقدساتهم، وسفح دماء إخوانهم في الدين أو حتى التخلي عن تربيح المجتمع المسؤول عن كل هذا، والداعم له.
____________________________
ماذا تبقّى؟
تبقَّى أن نقول إنني لم أقصد بذكر ما ذكرت مجرد الدعوة لقراءة الكتاب والتفكر في محتواه فقط.. ولكنني أعني بأن المرء لابد بعد قراءته لهذا الكتاب من أن يرى كل من يحصر أمر العلمانية في موضوع فصل الدين عن الدولة، والمؤامرة العالمية على الإسلام، إلى آخر كل هذا (العك).. يراه قزمًا فكريًا، لا يستحق تضييع الوقت في الإنصات لما يقوله من كلام غَثّ.
عبد الوهاب المسيري في رحلته الفكرية العظيمة التي كان أكبر أهدافها الانتهاء من موسوعته الجامعة (اليهود واليهودية والصهيونية) في آلاف الصفحات، صادف في طريقه أثناء وضع الموسوعة عشرات الأفكار التي تتماسّ مع موضوع الموسوعة الأساسي، ولكن كانت تستحق أن يفرد لها كتبًا مستقلة، لذا، فلم يتأخر..وكان كتاب (العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة)ضمن هذه الكتب لحسن حظنا، وأفرد تقريبًا ثلثَ الجزء الثاني للعلمانية الصهيونية.
_________________________________
ماذا لو قال لك أحدُهم إن السلفية الإسلامية بها ملامح عظيمة من العلمانية؟
بالطبع الاتهام بالجنون والهرطقة والإلحاد جاهز ويسير، وغير مكلف، ويبرّئ الذمة ويغسل الضمير في سهولة.. وهذا بالطبع ضمن منظومة التخلف المُبتلاةُ بها أرض العرب منذ مئات السنين، ولا ينفكّ من جبروت سطوتها إلا قلائل يتنكر لهم مجتمعهم ولو بمنحهم فرصة الكلام، فيموتون كمدًا على سهام جاءت ممن اجتهدوا لإنقاذهم.
صاحب الجملة بالأعلي هو المفكر عبد الوهاب المسيري، وأوردها في كتابه السابق ذكره.. وقبل أن نسارع ونتهم ونتشنج، دعونا نتعرف على ما أورده المسيري عن العلمانية.
في البداية يشكو المسيري من عملية التسطيح التي تعرض لها المصطلح حين تم تناوله في المقالات والأحاديث على أنه يعني (فصل الدين عن الدولة)، ويؤكد أن هذا أخذ المصطلح إلى مناطق بعيدة ساذجة، لا تتقاطع مع المقصود. وبدراسة كل الظواهر الاجتماعية والنظريات وما الي ذلك، يصل المسيري إلى أن هناك (علمانيتين) لا واحدة..الأولي تسمى العلمانية الجزئية، وهي التي يمكن تعريفها بأنها فصل الدين عن الدولة.. بينما تُعرف العلمانية الشاملة على أنها فصل القيم الإنسانية والأخلاق عن النظام الاجتماعي كله، وتحويل المجتمع الإنساني كله إلى مادة استعمالية خالصة، تخدم مصالح فئة خاصة من البشر. ويستمر المسيري خلال الجزء الأول في إيراد المصطلحات والتعريفات التي توضح بشكل شائق المنظومة غير المحدودة للعلمانية الشاملة وما يلحقها من منظومات، مثل (التسلع)، وهي تحول الإنسان إلى سلعة يتم تداولها بعد عزل وقتل كل المشاعر الإنسانية والخصوصية الأدمية به، وتحول الأمر كله لمبدأ البيع والشراء مثل نجمات البورنو ونجوم كرة القدم مثلاً..
و(التَشَيُّؤ) وهو أن يَتحوَّل الإنسان إلى شئ تتمركز أحلامه حول الأشياء، فلا يتجاوز السطح المادي وعالم الأشياء. والإنسان المُتشيِّئ إنسان ذو بُعد واحد قادر على التعامل مع الأشياء بكفاءة غير عادية من خلال نماذج اختزالية بسيطة، ولكنه يفشل في التعامل مع البشر بسبب تركيبتهم، أي اننا نتحدث عن مجتمع السوق الحر والمجتمع الذي تتمحور اهتماماته حول السلع والاستهلاك...إلخ. و(الحَوسَلة) وهي كلمة منحوتة من جملة (تحويل كذا إلى وسيلة) سواء كان الطبيعة أو الإنسان، بإخراجهما من إطارهما ووضعهما في إطار مادي منزوع المشاعر والقيم.
وفي الجزء الثاني يورد أمثلة مباشرة وفي مختلف المجالات.
أيضًا للطّرز العلمانية الشاملة التي تحيط بنا الآن وسابقًا، وكان أكثرها تشويقًا وإثارة للرعب أيضًا هو المثال النازيّ وما قام به من فظائع إبّان الحرب العالمية الثانية ارتكازًا على مفهوم علمانيٍّ شامل يتشارك مع مفاهيم أخرى سكنت خلد القادة النازيين، وحثّتهم على القيام بكل هذا.. (لمزيد من التحقيق ابحث في يوتيوب أو في جوجل إيمدج عن العنوان:
Nazi concentration camps
أما عن ما قصده المسيري عن أن تحمل السلفية بضعَ ملامح من العلمانية الشاملة، فلأنه قد لاحظ على المجتمعات التي تتبنّى المفهوم السلفي التدين الشكلي الظاهري، ولكن السلوك الكلي والجَمعي تُعوِزه القيم الإنسانية والأخلاق.. فهم ليسوا بعيدين عن التسلّع والحوسلة -بنظام الكفالة مثلاً والاستهلاك السفيه للسلع-، كما أن سلوكهم المتدين في ظاهره لا يحُضّهم على التوحد مع مشاكل أوطانهم من امتهان لأحد أهم مقدساتهم، وسفح دماء إخوانهم في الدين أو حتى التخلي عن تربيح المجتمع المسؤول عن كل هذا، والداعم له.
____________________________
ماذا تبقّى؟
تبقَّى أن نقول إنني لم أقصد بذكر ما ذكرت مجرد الدعوة لقراءة الكتاب والتفكر في محتواه فقط.. ولكنني أعني بأن المرء لابد بعد قراءته لهذا الكتاب من أن يرى كل من يحصر أمر العلمانية في موضوع فصل الدين عن الدولة، والمؤامرة العالمية على الإسلام، إلى آخر كل هذا (العك).. يراه قزمًا فكريًا، لا يستحق تضييع الوقت في الإنصات لما يقوله من كلام غَثّ.