رداء الطفولة

ترتديه لحظة الميلاد، حينَ تتألم وتبكي.. وعلى الجميع مِن حولك أنْ يكتشفوا سر بُكائك مُسرعين على الفور ومُلبين طلبك, حتى تتوقف عبراتك وتنتهي دموعك, وحين تضحك ليظل الجميع كبيرهم وصغيرهم متأهبين كالجنود الصامدة مِن أجل أنْ تظلَّ تلك الضحكات أطول وقتٍ مُمكن, وإن كان ذلك على حساب راحتهم. يختفي أثره شيئًا فشيئًا مِن أمامك كي ترى الواقع أكثر دقة وأكثر تفصيلًا, أحسبه رداءً شفافًا يعطي شكلاً ثابتًا لأي شئ تراه مِن خلفه دون أن يُغيِّرَ في حقيقته, نتعلم الكثير والكثير ونكبر يومًا بعد يوم تاركين هذا الرداء بمشاعره البسيطة وحبه النقي، وتنضج أفكارنا معنا كثمار الصيف, نتعلم أنْ نستفيد مِن أخطائنا وألا ننساق وراء نفوسنا, نتعلم أنَّ الحُزن درب لا مدينة, والدنيا جميلة كانت أو قبيحة فهي دنيا. والأحباب مُغادرون، والذكريات ليست هي العثرات. والحب مِن طرف واحد شقاء حتمي. والماضي كان ضيفًا استراح ورحل. بلا شك هو رداء جميل يحوي الكثير مِن الرقة والنعومة، لكِنْ لِتعلم أنه سيأتي اليوم ويصبح باليًا وعليك نزعه حتى لا تشقى بسبب احتفاظك به طوال هذه المدة، ولن يأتي أحد ليبلغك بأن تنزعه الآن؛ لأن لا أحد سيراه باليًا قبلك. فإن رأيته في الميقات المناسب فهذا لك وإلا فسوف تتجرع مرارة الغمامة المُسدلة أمام عينيك حتى يحسبك الجميع غافلاً لم تستيقظ بعد.. فلا يملكون حينها إلا أن ينضحوا الماء في وجهك، وحينها فلا تلومنَّ إلا نفسك.!

 
كتاب المئة تدوينة. Powered by Blogger.

التصنيفات

القائمة الكاملة للتدوينات

 

© 2010 صفحة التدوينات المرشحة لكتاب المئة تدوينة