كيوبيد

كان يراقبها في صمت وهي نائمة وهو يتذكر أوامر زيوس العظيم أن يبحث لها عن قلب يعشقها ويهيم بها ويحلق بها في سماء الأحلام. كانت أوامر زيوس لا تتضمن أن يكون ثريا، فهو سيملك كل شيء، الأهم هو أن يقوم على راحة الأميرة وسعادتها إرضاء لأبيها الملك خادمه المطيع.
كيوبيد مازال يتأملها، كانت حقا باهرة الجمال، نظر إلى قلبها الشاغر وتساءل: ترى من الذي يستحق أن يملأك؟ وبدأت رحلة البحث في أرجاء المملكة عن قلب نوراني. ذهب إلى الحانات وإلى الشواطئ، وبحث في البيوت، لم يجد بغيته.

وبينما هو يبحث استمع لصوت عزف قادم من أطراف المدينة، كان رجلا يعزف على آلة موسيقية أشبه بالناي، سيمفونية شجن تغرق من يستمع إليها في بحار المشاعر الدافئة، وتفجر براكين الإحساس في قلوب عطشى.نظر إلى قلبه، إنه حقا بغيته، قلب يفوق النور نورا؛ إن أحب حقا فسوف يمنح من يحب السعادة والدفء، لكنه وجد بالقلب صورة فتاة..! تراها من تكون؟! غير مهم، إنه حين يعشق الأميرة سينسى أي حب آخر.

أمسك بسهمه، شده على وتر القوس وصوبه في اتجاه القلب تماما، وانطلق السهم ليجتاز المسافة الفاصلة بين حب تلك المرأة وحب الأميرة. لكن حدث شيء غريب، فالسهم قبل أن يصل إلى قلب العازف توقف على بعد ملليمتر وسقط عند قدمه، أمسك العازف بالسهم، لم يعرف من أين أتي، لكن وجد عليه توقيع كيوبيد وفي الاتجاه الآخر اسم الأميرة. لم يهتم كثيرا وكسر السهم.

في تعجب ظل كيوبيد يشاهد الموقف، كيف لم يخترق سهمي قلبه؟ وكيف ملأت تلك الفتاة قلبه دون أن ألقي عليه سهامي؟ أهناك من يقوم بدوري غيري في تلك الحياة؟ ثم كيف تحصن القلب ضد السهم؟ ومن تكون تلك الفتاة التي يحطم من أجلها سهما يحمل اسم الأميرة؟
كلها تساؤلات جالت بخاطره لم تكن لها إجابة إلا عن طريق شيء واحد هو: أن يزور تلك الفتاة ويرى من تلك التي فضلها العازف على الأميرة.
عرف أنها وصيفة الأميرة. كانت تبكي وهي تتحدث إلى القمر في السماء، ظن أنها تبادل العازف الغرام. ليست بالجميلة ولا تبدو عليها ملامح الذكاء، فتعجب كيف يعشق العازف مثل هذه ويفضلها على الأميرة باهرة الجمال متقدة الذكاء.نظر إلى قلبها فأصابه الهلع، كان يسكن قلبها رجل آخر غير العازف، إنه يعرفه، آه نعم.. إنه الأمير قائد الشرطة؛ ابن عم الأميرة..! ما تلك السلسلة التي لن تنتهي؟ ماذا جلبت لنفسك اليوم يا كيوبيد؟ لكنه قرر متابعة السلسلة لآخرها حتى يفهم تلك الأشياء الغريبة التي تسيطر على القلوب.

ذهب كيوبيد إلى الأمير، نظر إلى قلبه فوجده شاغرا لا يسكنه أحد. لكنه قلب هادىء كأنه أرض صالحة للإعمار، قد يكون أقل خصوبة من قلب العازف لكنه مازال يعتبر قلبا جيدا. جلس كيوبيد لا يعلم ماذا يصنع في تلك المعضلة، أمامه أربعة نماذج:
من لا تعشق ولا يعشقها أحد وهي الأميرة
ومن تعشق ولكن يعشقها غير من تعشق وهي الوصيفة
ومن يعشق ولا يعشقه أحد وهو العازف
ومن لا يعشق ولكن تعشقه إحدى الفتيات وهو الأمير

ظل يفكر ويتدبر كيف يحل تلك المعادلة الغريبة في الحب. أخيرا توصل إلى حل:
اقتلع قلبي العازف والوصيفة وقتلهما لكي يصبح هو فقط من يحدد من يسكن القلوب بسهامه السحرية، فليس مسموحًا لأحد أن يضع بقلبه ذلك الشيء الذي يقاوم سهامه. ثم ذهب إلى الأميرة وأطلق عليها سهما مكتوب عليه اسم الأمير، وفعل نفس الشيء مع الأمير.
في الصباح شعرت الأميرة بوخز في قلبها أنساها أن تعرف من الذي اقتلع قلب وصيفتها، ولم تهتم كثيرا بها، فكل ما يشغلها الآن هو الأمير قائد الشرطة الذي كان بدوره يشعر بوخز في قلبه أنساه أن يبحث في مجريات تلك الجريمة التي أدت إلى قتل العازف.

وبينما ذهب الأمير إلى الملك ليطلب ابنته، تلاقى الأميران في نظراتهما السحرية، ذابت كلمات الحب، لم يعرفا للحظة أنهما مسحورين. بينما في جبال الأوليمب كان زيوس العظيم يقيم حفلا كبيرا ابتهاجا بالعمل العظيم الذي قام به البطل الخالد كيوبيد الذي انقذ المملكة من الضياع.

بالرغم مما فعله كيوبيد من جرائم إلا أنه لم يشعر بالندم كثيرا، حتى حينما يجلس وحيدا يراقب القلبين الذين اقتلعهما من العازف والوصيفة ليدرس تلك القوى السحرية التي استطاعت مقاومة السهام. نظر من فوق قمة الجبل إلى المملكة التي تعمها السعادة، وهو الوحيد الذي يعرف أنها سعادة زائفة قامت على دماء العشاق.

خارج الإطار:
بعينيه الزائغتين الشبيهتين بشمسين مذبوحتين وقت الغروب، كان أبوللو وحده يعرف أن كيوبيد مجرد سفاح. أبوللو وحده عانى الأمرين حين ألقى كيوبيد سهم عشق دافني في قلبه، وألقى سهم الكراهية الرصاصي في قلب دافني لتصده يوما بعد يوم. أبوللو وحده كان يموت كل يوم حين يرى أغلى الناس إليه يكرهه.
وبعد مرور العديد من القرون صار كيوبيد رمزا للعشق، بينما أبوللو أصبح مجرد سفينة فضاء تكره البشر وتبتعد عنهم وتبحث عن الحياة في كواكب الجفاف.


الكاتب:  مصطفى سيف  المدوّنة: طير الرماد
 
كتاب المئة تدوينة. Powered by Blogger.

التصنيفات

القائمة الكاملة للتدوينات

 

© 2010 صفحة التدوينات المرشحة لكتاب المئة تدوينة