كذبة بيضاء

أفرد سجادة الصلاة ولا أُصلي!

منذ فترة ولا أستطيع الصلاة، أجاهد للإقامة خمسة فروضٍ بسيطة وأنتهي مجهدة. لا أستطيع الصلاة لأجلكِ يا أمي.. هل تسامحينني؟. أعتدل وأدعو، اللهم ارحمها واغفر لها واغسلها بالماءِ والثلجِ والبرد. أدعو، اللهمّ نقِها من الخطايا كما يُنقى الثوبُ الأبيضُ من الدنسِ. فجأةً أنتبه، كما يُنقى الثوبُ الأبيضُ من الدنس!! يا الله،، هل تستمرُ في العطاءِ لنتعلم الفقد؟ وهل نحتاجُ كلّ هذا الفقد لندرك؟!
أذكُرُ كلّ شيءٍ، فجأةً، وبوضوح

" يا أمي إنّها كذبةٌ بيضاء"، وأضحك. لا تضحكُ أمي. تكُفُ عن القراءةِ وتخبرني بحدةٍ: " ليس هناك كذبةٌ بيضاء،، كلُّ الكذبِ أسود"، أمي بطبعها حادة، كعادتِها كانت تنزعجُ لأقلِ الأشياء وتثيرُ موجةً كبيرةً من التعليمات والتوجيهات. وكعادةِ الأطفال، لم نكن نهتم. حينها لم أفهم ولم أهتم. الآن أفهم، لا أذكُرُ متى تحديدا اعتدتُ الكذب، ولا أعرفُ متى تحديدا بدأت كل هذه البقع بالانتشارِ هكذا، ولا أيٌ منها يخصُ من. كذبةٌ صغيرة فوق كذبةٍ صغيرة والروح ما عادت تحتمل. أعرفُ فقط أنني لم أعد أملك نفس ممر الهواء الذي كُنت أملك، لدي الآن آخر أضيق وأقصر، آخر لا يتسعُ أبدا بما يكفي. يا رب.. أنا امتلئُ ببقعٍ سوداء كثيرةٍ، كثيرةٍ جدا. يا رب.. كما يُنقى الثوبُ الأبيضُ من الدنس. هل يُمكن؟

أستندُ إلى الحائطٍ وأضمُ الساقينِ إلى صدري، أستمرُ فى الدعاء لأمي، وأبدأ بأصغرٍ البقعِ، ربما.. ربما
أحاول.. يا رب.. كما يُنقى الثوبُ الأبيضُ من الدنس. تظلُ البقعةُ كما هي وأظلُ أنا كما أنا.. ممرُ هواءٍ لا يتسع.
أحاولُ ثانيةً.. يارب.. كما يُنقى الثوبُ الأبيضُ من الدنس...
يعلو الدعاءُ قليلاً
يرتقي
أحاول ثالثةً
رابعةً
خامسةً

يا صفاء الروحٍ.. هل تعودُ فأعود؟!


الكاتب:  منى سلامة المدوّنة: شوية ورق 
 
كتاب المئة تدوينة. Powered by Blogger.

التصنيفات

القائمة الكاملة للتدوينات

 

© 2010 صفحة التدوينات المرشحة لكتاب المئة تدوينة