لم أكن أدرك قيمة هذا الاختلاف قبل اليوم لأنني شاهدته اليوم بأم عيني. بدأت تجربتي اليوم عندما ذهبت لحضور ورشة عمل عن الأدب، لم يكن في تصوري ما سنقوم به، المهم أنني سأستفيد منها وكانت البداية بصورة.. نعم صورة.. لا تسألني ما علاقة الصورة بالأدب أو القصة هي كلها -من وجهة نظري- مشاعر وقيم ومبادئ إنسانية تتوارى خلف أقنعة متعددة، فمنها قناع من الحبر والورق أو ما نعرفه بالكتابة، ومنها قناع من الصور والألوان، لكنها في النهاية تعبر عن شعور ومبدأ إنساني واحد.
كانت الصورة لفتاة شعرها ذهبي ولديها ضفيرتان ذهبيتان، تضع يدها على خدها وتمسك قلمًا وأمامها أوراق، لكن لها نظرة عميقة استنتجت منها الحزن العميق، ربما كانت تحاول الكتابة أو الرسم أو حتى الشخبطة لصغر سنها، فهي قد لا تجيد الكتابة المهم، إنها تتخذ من الورقة والقلم وسيلة للتعبير عما بداخلها كأنها تتأمل حالها قبل البوح بما تحمله بداخلها من أحزان إلى صديقتها الوفية.. الورقة! ولا يخفى على أحد ما تخفيه وراء عينيها من حزن دفين رغم ما يعبر عنه مظهرها من طفولة بريئة.. ربما كانت تفكر في الماضي أو الحاضر أو حتى المستقبل!
تذكروا، لقد وصفت لكم شكل الفتاة وحاولت من خلال وصفي إخباركم قصتها التي تخيلتها من خلال مظهرها، لكنني بعد أن أتممت الكتابة استمعت إلى قصص الأخريات، فاكتشفت قصصًا مختلفة عما تصورته تمامًا.. قالت إحداهن إن الفتاة تدخر مالاً ولكنه نفد منها، وأخرى قالت إنها تدخر مالاً لكي تشتري به هدية لأمها، وقالت أخرى إنها فتاة تيَتَّمت في حرب وتعمل لدى صاحب مخبز، وهي في الصورة تحسب المال الذي جنته من عملها.
كما ترَون.. اختلفت القصص واختلفت الروايات وبقيت الصورة لتعبر عن نفسها بلا كلام أو حركة أو حتى صوت، لكنها مع ذلك ترسل رسائل خفية تحمل مشاعر وقيمًا ليستقبلها كل منا، فتوقظ فيه ما يحبه وينطلق ليعبر عما بداخله، كلٌّ على طريقته الخاصة، فكل منا يرى العالم بعينين مختلفتين، فتفهم الصورة من زاوية مختلفة، فيستحيل أن نحصل على نفس الصورة!
ما أريد قوله إننا اختلفنا ونختلف وسنختلف لأن ذلك من سنن الحياة، لكن ليس الاختلاف في حد ذاته هو المشكلة؛ المشكلة في التعامل مع الاختلاف، فقد يصنع الاختلاف سببًا للجدال والخلاف والشحناء والبغضاء، وقد يكون سببًا لمزيد من الإثراء والإبداع والتنوع.. ولك أنت مطلق الاختيار بينهما.