عرابي والثورة الافتراضية

كتبت هذا الموضوع فور ظهور فيديو اللواء أبي قمر، وها أنا أنشره اليوم مصدومة ومقهورة بسبب أنباء عن "ترقية" هذا اللواء بدلاً من محاكمته في ظل وزير خارجية جديد وأجواء لا نهائية من الانفلات الأمني.
________________________________

الثورة كمصطلح سياسي هي الخروج عن الوضع الراهن إلى وضع مختلف تمامًا.. وهكذا تمنى وتوقع كل مشارك أو مؤيد للثورة الشعبية التي خرجت يوم 25 يناير مطالبةً بكل ما كنا نتمناه طوال ثلاثة عقود عجاف هي مدة حكم الرئيس السابق.. تغيير –حرية– كرامة إنسانية، ولكن السيناريو أصبح مختلفًا.

فالتغيير حدث بشكل جزئي وحتى يومنا هذا لم تتغير حكومة الفريق أحمد شفيق ولم تتم إقالة الوزير أحمد أبو الغيط والوزير ممدوح مرعي ووزير الداخلية محمود وجدي الذي استفز جموع الثائرين بحديثه في برنامج مصر النهاردة ودفاعه عن استخدام الشرطة للرصاص الحي على المتظاهرين مبررًا ذلك باستخدام المتظاهرين العنف ووجود بعض العناصر التي اندست بين المتظاهرين واستخدمت السلاح!، ورفضه لمطالب المتظاهرين بحل جهاز أمن الدولة معتبرًا إياه جهازًا وطنيًا ولا غِنى عنه، وموجودًا بالعالم كله.

عن أيَّة كرامة إنسانية يتحدثون بعد أن تسرب فيديو على الإنترنت لمدير أمن دمنهور وهو يقول بالنَّص: اللي يمد إيده على سيده لازم يتضرب بالجزمة وتقطع إيده.. إحنا أسيادهم وإحنا الأمن وإحنا الأمان وإحنا اللي حاميينهم والناس كلها كانت بتعيط وتقول يارب تيجوا عشان اللي إحنا فيه.. شافوا طبعًا أيام سودا.

بالله عليكم ما هذه العقليات التي لا تحتاج فقط إلى أن تستوعب وتدرك ما حدث يوم 25 يناير ، بل تحتاج أن تراجع أيضًا درس الثورة العرابية في كتب التاريخ عندما رد الخديوي على مطالب عرابي قائلاً: كل هذه الطلبات لا حق لكم فيها، وأنا ورثت مُلك هذه البلاد عن آبائي وأجدادي، وما أنتم إلا عبيد إحساناتنا.. فقال عرابي جملته الشهيرة: لقد خلقنا الله أحرارًا، ولم يخلقنا تراثًا أو عقارًا، فوالله الذي لا إله إلا هو إننا سوف لا نُورَّثَ، ولا نُستعبَد بعد اليوم.
أين عرابي ليسمع مدير الأمن وهو يتحدث عنا –نحن الشعب الذي طالب عرابي بتحريره منذ أكثر من قرن من الزمان- وكأنه سيدنا ونحن عبيد إحسانه .. ناسيًا أو متغافلاً عن الدور الحقيقي لرجل الأمن وهو حماية المواطنين وليس الاستعلاء عليهم أو إذلالهم أو المنّ عليهم بواجبه الوطني.

مدير الأمن يتحدث عن الشعب المصري -الذي لم تبرد ناره على الشهداء بعد– وكأننا فى عصر السادة والعبيد وكأن كل ما قمنا به من ثورة ورغبة في تطهير البلد من الفساد ومعاملة المواطن المصري بكرامة في بلده وكل بلاد العالم كان مجرد ثورة إفتراضية في عقولنا وخيالنا فقط، وكأن دم الشهداء كان مجرد لون أحمر أغرق الشوارع مثلما يحدث في ألعاب البلاي ستيشن ثم يختفي بمجرد ظهور كلمة (جيم أوفر).

كيف تعود الثقة بين المواطن ورجل الشرطة ووزير الداخلية لا يريد حتى الاعتراف بالجرائم التي ارتكبها جهاز الشرطة وأمن الدولة من قتل وإصابة أبناء الشعب؟، كيف نطمئن بعد أن قام شرطيٌّ بإطلاق النار على سائق ميكروباص لاختلافهم على أولوية المرور؟!!!.. كيف تستقيم الأمور ووزير الداخلية يعتقد أن المشكلة تكمن في ملابس الشرطة التي تحتاج إلى تغيير؟؟ ولا يدرك أن المشكلة الحقيقة تكمن فى عقليات من يعتبرون أنفسهم أسيادًا والمواطنين عبيدًا، ولا يتدبروا ولو للحظة معنى شعار: الشرطة في خدمة الشعب.
 
كتاب المئة تدوينة. Powered by Blogger.

التصنيفات

القائمة الكاملة للتدوينات

 

© 2010 صفحة التدوينات المرشحة لكتاب المئة تدوينة