رشفة قهوة

فنجان قهوة لم يشرب بعد, صوت موسيقى بعيدة لكنها فى ذات الوقت مسموعة, كرسيها الهزاز ولحظات تتكرر كل ليلة, بالقرب من أقلام وأوراق وكتب هنا وهناك تجلس. 
لاتدرى هل اتستبدت بها لحظات التفكير وتجاوزت الوقت اليومي لجلسة التأمل؟! أم الوقت لا يمر والزمن لايمضي؟! صوت حفيف الأشجار بالخارج وأصوات الليل التي لاتعرف لأي الطيور تحديدا يكسبان الجو غموضًا أكثر. تسرح بخيالها؛ ماذا بالخارج؟ هل أحلام متبعثرة على الطرقات تتخذ من الليل ملاذا لتحبو فى خيلاء دون أن يعترضها احد؟ أم مفقودو الضياء الذين لا يحبون إلا أن يكونوا وحدهم ليلا يستمدون النور فقط من قلوبهم؟ أم وحشة وغربة وصمت؟

تدق الساعة الكبيرة في صالة المنزل دقات عالية، تفيق من تلك الغفوة وتنظر لتجدها تجاوزات الثانية بعد منتصف الليل, تمسك بالقلم تداعب الأوراق، تنثر فكرة هنا وفكرة هناك، حلم قريب وآخر بعيد، رسومات متشابكة "قلب/ عين/ وسهم". ثم تضع ابتسامة وتترك القلم معلقا مابين دهاليز أفكارها المنثورة على الوريقات.

تضع في القائمة أغنية لريم بنا:
وأعطي نصف عمري للذي يجعل
طفلا باكيا يضحك
وأعطي نصفه الثاني
لأحمي زهرة خضراء أن تهلك
وأمشي الف عام خلف أغنية
واقطع ألف واد, شائك المسلك
وأركب كل بحر هائح
عند شواطىء الليلك

تتخيل: هل حقا يدفع العمر كي لا يبكي طفل صغير؟ وهل الإنسانية أكثر قيمة من عمر الإنسان؟ هل حقا كان تعبير بنا في غنوتها الأقرب لقلب أي انسان حقيقى حتى في مجازيتها؟
ابتسامة طفل ببراءتها وطهرها أكثر قيمة من عمر كامل؟ أم أن الذي كتب الأغنية كان يقصد أنه لا نستحق الحياة اإن تركنا طفولة تتمزق وبراءة تتهدد؟ 
هذيان.. هذيان.. هذيان.. هذا ماخاطبت به نفسها. ماالذي يجعلها تتفلسف على أغنية وصورة وتشبيه؟ لربما العقل الذي لا يقبل الصمت حين يجب التفكير. ما الذي يجعلها تتفلسف على أغنية وصورة وتشبيه؟ لربما العقل الذي لا يقبل الصمت حين يجب التفكير.
تدندن وهي جالسة على الأرض ممتدة رجلاها أمامها وبجوارها فنجان القهوة وقد وصل لمنتصفه, تقول شعرا ألفته الآن عنه, تردده لكي تحفظه في عقلها، روحها وأركان القلب،, حتى لا تخسر كلمة واحدة منه. فكثيرا ما تدندن بشعر لا تتذكره بعد خمس دقائق بعدما ينطقه اللسان, وتظل في محاولات للتذكر وتغزل شعرا جديدا, لذا أيقنت أن الكلمات والأبيات لابد أن تسجل فور مجئيها بالخاطر, والأقرب على الدوام الملاحظات في هاتفها. طريقة جديدة حتى لا تنسى وإن كان إحساس الكلمات لن ينسى حتى وإن تبدل الشعر بنثر والنثر بشعر والكلمة بغيرها, يكفى أن الروح التي تجعلها تدندن بما تريد لن تحيد عنها ولن تغيب.

ملت الجلوس، قامت حيث المكتبة، تتفقد أرفف الكتب وتنتظر فجرا جديدا يدق على ستائر الشباك المفتوح على مصراعيه في احتضان لنسيم الفجر. تمر بأصابعها على الكتب, تتذكر يوم شراء هذا ويوم اقتناء ذاك, نهاية تلك الرواية ومقدمة هذا المجلد, تتذكر آخر رشفة في فنجان القهوة, تشربها ينطلق المؤذن بصوت كأروع مايكون بأذان الفجر يخرق سكون الليل الهادئ وصمت القلب أيضا.

يتساقط ثوب الليل وتلبس الدنيا ثوب الشفق
ومع كل تساقط يتجدد شيء
إلا أنك أنت تتجدد دون تساقط

كتبت تلك الجملة على وريقة صغيرة وفقط .....


الكاتب:  ولاء رزق المدوّنة: walaa rizk 
 
كتاب المئة تدوينة. Powered by Blogger.

التصنيفات

القائمة الكاملة للتدوينات

 

© 2010 صفحة التدوينات المرشحة لكتاب المئة تدوينة