يوم الخميس

 تعارض رأيها مع قراره، لم ترضخ هذه المرة أصرت على رأيها, تعلم أنه غير مسموح أن تقف أمامه كديك شركسي لكن هذه المرة هي متأكده أن جانبها الصواب وأن قراره قد يحطم آمالا بداخلها, لم يتعود منها على الإصرار؛ اعتبره (زن) و(رغي ستات) وعندما استمرت على رفض قراره اعتبرها (نشوفية دماغ) و(قلة عقل) واجهها بأنها ناقصة عقل و دين, سخر منها وضحك على جدّها.

لم تيأس هذه المرة وتطاوعه وتضحك رامية بعرض الحائط رأيها, زادت إصرارا, انقلبت سخريته لإهانة واستخفاف بها, كرامتها أبت هذه المرة أن تلعب دور المشاهد وثارت على سنوات مضت من الصمت, أرادت أن ترد إهانته بإهانة لكن لسانها لم يطاوعها لأنه تعود ألا يهين رجلا وجهًا لوجه, قد يلوك بعض الإهانات للرجال في المجالس النسائية فقط, أما الآن هو عاجز, فما كان منها إلا أن ردت بالدفاع عن نفسها و بنات حواء واتهمته بعدم التفهم لأوامر الدين في حسن معاملة المرأة.

"يعني أنا مش بفهم في الدين.. يعني أنا كافر" هكذا صرخ قبل أن يلطمها على وجهها, دون تفكير بعد أن شُلّت كل حواسها راحت ترمي متعلقاتها في حقيبة استعدادا للرحيل, ولكنه أمرها بأن تمكث في البيت وأخبرها أنها لو تركت المنزل ستكون (طالق) وغادر هو صافعا كل الأبواب في وجهها.

هاجت كذبابة محبوسة في برطمان زجاجي, تجري هنا وهناك تصرخ بهيستيريا, تخبط رأسها في الحائط بجنون ,لكنها لم تبكي, ضربها وأهانها ولم تبكي, أهدر كرامتها في كل مكان ولم تبكي, أمسك بكل خيوطها ولاعب مشاعرها كعرائس الماريونيت ولم تبكي, كيف تبكي و قد أصبحت عيناها مجرد عضو للابصار, وقلبها أصبح باردا وعقلها أصابه تنميل غريب منذ زمن.. فلم تعد تبكي أو تتأثر, ولكن اليوم شيء استثنائي أصابها بألم قي بقايا كرامة.

"رتبي سرير أخيك فهو رجل و البيت من شأننا نحن النساء"، "ضعي له القطع الأكبر من اللحم فهو رجل و يحتاج للتغذيه"، "اصنعي لأخيكي كوبا من الشاي فهو يذاكر"، "اكوي" ، "اطبخي" ، "اغسلي الصحون"، "السيارة من نصيب أخيكي فهو رجل"، " كلام أخيكي هو اللي يمشي"، "لا ترفعي صوتك في وجه أخيكي فهو رجل"، "لا تخرجي بدون إذن"، "ضعي حذاء في فمك واسكتي".....

هكذا تذكرت كلمات أمها قبل أن تلغي فكرة أن تحدثها تليفونيا لتقص عليها ما حدث, ماذا لو طلبت أباها فهي ابنته المدللة وسيتفهم مشاعرها. لكن هل سيسمعها؟ وهو الرجل الذي تزوج من أخرى عقابا لأمها عندما تطاولت على أهله دفاعا عن نفسها.

أكانت سعيدة قبل زواجها؟! تساءلت وهي تكمل إعداد حقيبتها للهروب من قفصها الذهبي, قضت سنوات طويلة تتحمل نظرات الشفقة في عيون الناس, الغمز واللمز على تأخرها في الزواج، وحيرة أبيها وحزن أمها دفعاها لإتمام هذه الزيجة بأي شكل, لم تكن أول مرة يضربها أو يحبسها في المنزل, لكن هذه المرة هو يعلم أنها بصدد ترقية في عملها ولا يمكن أن تغيب، ومع ذلك لم يهتم سوى بأن أوامره ستطاع. (الطاعة) تلك هي الكلمة التي قالها لها عندما سألته عن الصفات التي كان يبحث عنها في زوجته.

ضحكت بمرارة وهي تتخيل نفسها مديرة لعدد من الموظفين ولا تستطيع أن تدير حياتها أو حتى تكون لها حرية الخروج والدخول. لطالما شعرت أنها دُمية ينظر الناس لشكلها, يعاينونها كأنها في سوق الفاكهة, حتى تتزوج و تكون في "ظل راجل", تعيش حياتها في الظل راضية بما يقدمه لها وموافقة على ما يقرره لها. لكن آن الأوان أن تخرج من الظل وتقرر لنفسها. لملمت شجاعتها, ألقت بخاتم الزواج, تخلصت من ضعفها واتجهت لباب المنزل. وبمجرد أن فتحته ترامى إلى أذنها صوت جارهم وهو يصرخ في ابنته ويضربها, يبدو أنه اكتشف قصة حبها البريئة لابن الجيران. إنقبض قلبها لصوت بكاء الشابة الصغيرة, ركبت المصعد بسرعة هربا من الخوف.
في الطريق قفزت لذهنها صورة ابنة خالتها التي انفصلت عن زوجها بعد سنوات من خوض القضايا والمحاكم دون أن تحصل سوى على لقب (مُطلّقه) والكثير من الذكريات السيئة, تذكرت كيف تعيش الآن في عذاب أكبر بسبب مضايقات الرجال لها وضغط أهلها عليها كي تقبل بأي زوج.

في المساء انتظرت في منزلها حتى أتى زوجها باشًا مُداعبًا إياها, ورائحة الدخان تفوح منه, إنه يوم الخميس ليلة الجمعة والمسامح كريم, أقبلت عليه تساعده على تغير ملابسه, جلس على السرير وجلست على الأرض تخلع عنه حذاءه, شعر أنها ليست هي من تنتظره كل خميس, رفع ذقنها وجدها مبتسمة وفي عينيها بقايا دموع.

 
كتاب المئة تدوينة. Powered by Blogger.

التصنيفات

القائمة الكاملة للتدوينات

 

© 2010 صفحة التدوينات المرشحة لكتاب المئة تدوينة