قـصرٌ من وهم

ملكةٌ هيَ .. عاشت طوال عمرها تنتظرُ مليكها
لِيُتَوِجها بتاجه حتى يصبح مُلْكها رسميا موثقا
رفضت عروضَ كل الملوك
ورفضت أن تلبس تاجَ أحدهم
إلا هو.. لم تستطعْ أن ترفض..
بل لقد كان هو الوحيد الذي تمنت أن يُلْبسها تاجه..
وحده بهرها بحكمته وأسلوب حكمه
عندما اقترب منها واضعا تاجه على رأسها
شعرت أنه قد ألْبَسَها قمرا أضاءها وأضاء ما حولها…
شعاعُ تاجِه الفضيّ انعكس على كل شيء..
شعرت أنه أَلبسَ قلبها التاجَ قبل أن يُلْبسه رأسها.
كانت تتباهى أمامَ النساءِ بتاجه
وتَعلمُ أنَ جميعهن يتَمنينه..
نعم .. يتمنين التاج وصاحبه..
كانت تبتسم دائما وتفخر بأنه اختارها هي دونهن..
لتحمل شرفَ ارتداء تاجٍ لم تلبسه امرأةٌ من قبل
الصدفةُ وحدها قادتها إلى قصره ذلك اليوم..
عندما مرت من أمامه
فوجدت حفلاً كبيرا
لم يدعها إليه..
دخلت إلى بهو القصرِ فلم تجد إلا نساء !!
كلُ المدعواتِ نساء !!
كلهن يرتدين نفس التاج..
أهيَ قواعدُ المملكة؟
أن تكون كلُ النساءِ ملكات؟
أم أنه حفلٌ تنكريٌ يلبسنَ فيه تيجانا
ثم يخلعنها عند المغادرة؟
أألبسهن هوَ هذه التيجان؟
نظرت حولها
لتجد كل الحاضراتِ مشغولاتٍ بالرقص..
كل واحدةٍ منهنَ ترقص رقصةً فردية..
لا تشعر بمن حولها من الأخريات..
وكأنها لا تراهُنَّ.
تركت البهو وأخذت تتفقد كل غرف القصر..
لفتت نظرها غرفةٌ مغلقةٌ في نهايةِ ممرٍ مظلمٍ طويل..
شعاعٌ قوي كان يخرج من تحت باب الغرفةِ المغلق..
مدت يدها وفتحت مزلاج الباب الضخم..
فلمع ضوء مئات التيجان
المصفوفة بعناية فوق أرفف زجاجية..
هالها ما رأت..
كلها نفس التاج!!
كلها نفس اللمعان والسحر..
أفاقت من تساؤلاتها
على صوت أنفاسه التى تعرفها جيدا..
والتي طالما تمنت
أن تسمعها كل لحظةٍ من لحظاتها..
كان يقف وراءها مباشرة مبتسما
غير مبالٍ باكتشافها.
نظر إليها مباشرة بعيونه الثاقبة
وقال لها: نعم يا حبيبتي أنا صانع تيجان.
سألته: أَهو عملك ؟؟
فرد: إنها هوايتي.. أصنعُ التيجان الجميلة وألبسها النساء..
فأستمتع برؤية مهارتي فوق رؤوسهن
سألته: وهذا الذي على رأس؟؟ أمثل كل التيجان ؟؟
أَكنتُ أنا واحدةٌ منهن؟ أَكان تاجي نتاج هوايةٍ فقط؟؟
أجابها بأن: كل تيجاني متشابهة كلها خاليةٌ من الإحساس
إلا تاجٌ واحد صنعته من سلاسل أحلامي.وأودعت فيه
كل حبي وعشقي.. وألمي ودمعي ..
رصّعته بلآلئ قلبي المدفونةُ فيه منذُ زمن..
وأَلْبستُه لامرأةِ واحدة..
حتى هي لا تعلم بأمر هذا التاج أهو حقيقي أم
مثل باقي التيجان.
ثم سألها فجأة : أتودينَ معرفةَ حقيقةِ تاجك؟
هل تتوقينَ إلى سؤالي هل أنتِ تلك المرأة؟؟
سأخبرك الآن عن ماهية تاجك..
فهل أنتِ مستعدة ؟؟
أومأت برأسها بأنها تريد
وعندما هم بفتح فمه وضعت أناملها على شفتيه
جَبُنَتْ عن معرفةِ الحقيقة ..
نظرت إليه بعنين حزنتين وقالت :
يكفيني أنك من ألبسني التاج..
ويكفيني شعوري ولو مؤقتاً بأني ملكة عمرك..
لا أقوى على سماعِ حقيقةٍ قد تمحو ما شعرت به من سعادةٍ يوما.
ابتسم ابتسامة المغرور الواثق من نفسه وقال :
كنت أعلمُ أن احتمالية فقداني موتٌ بالنسبة إليكِ..
واختيار الموت يحتاجُ قوةً خاصة.
اقتربت منه كثيرا وقالت بصوت هامس:
على صوابٍ أنتَ دائما يا حبيبي..
دائماً أنتَ على صواب.
إلا مرة واحدة جانبك فيها الصواب ..
هي هذه المرة ..
فأنا للأسف أمتلك تلك القوة الخاصة..
وقادرةٌ أنا جدا على اختيار موتي.


قالت جملتها الأخيرة
واضعةً يدها على رأسها لتخلع تاجها وتناوله إياه.


الكاتب:  ريم سعيد المدوّنة: رسائل بلا بريد
 
كتاب المئة تدوينة. Powered by Blogger.

التصنيفات

القائمة الكاملة للتدوينات

 

© 2010 صفحة التدوينات المرشحة لكتاب المئة تدوينة