نصف كائن

سألتها بصوت تملؤه الفرحة:"ماذا تتمنين أن يصبح مولودك القادم... ولد أم بنت؟"
فشردت بعيدًا ثم نظرت لي مليًا وقالت: "بدعي ربنا كل يوم ماتكونش بنت"
صدمتني... ألجمتني.. صعقتني الجملة... واجتاحتني ثورة عارمة.. وتبادر إلى ذهني هذا العصر الجاهلي وتلك الأفكار المتخلفة الرجعية.. وكدت أن أهتف وأردد ما كانت تردده سعاد حسنى قديمًا: "البنت زى الولد ماهيش كمالة عدد" كل هذه الأفكار خطرت على بالي في أقل من الثانية وكأنها شعرت بكل ماشعرت به فقالت لي: "أعلم أنك تتعجبين من ردي هذا.. ولكن ثمة توضيح أريد أن تعرفينه.. أنا لم أتمنَّ أن أرزق بأنثى لأنني أكرهها ولكن لأنني أحبها..!"
تعجبت من ردها أكثر : "ماذا تقصدين ؟ لا أفهم .." وتذكرت على الفور مشهد وأد البنات في فيلم من الأفلام القديمة التى لا نسمعها إلا أيام المولد النبوي والهجرة فتخيلت زوجها في صورة أبى لهب وسيقتل إبنتهما فور ولادتها.. وقبل أن أندمج في أفكاري السوداوية وخيالي الجامح وجدتها تنجدنى بقولها : "زوجي يتمنى أن يرزقنا الله بأنثى.. ولكن مجتمعنا ليس كله "زوجي".. مجتمعنا ليس أنتِ وأنا وهو.. نحن في مجتمع يتظاهر بحرية المرأة وهي في حقيقة الأمر تعامل ككائن معاق.. أو بتعبير أدق "كنصف كائن".
حاولت أن أدافع عن المجتمع فقلت لها: "ولكن المرأة أخذت حقها، بل إن الرجال الآن هم من قد هضم حقهم ويطالبون بعودة حقوقهم الضائعة". ضحكت بسخرية ثم أجابت: "كذب.. هراء.. حقوق وهمية تلجأ المرأة إليها عادةً لتحمى نفسها من ضعفها... معظم الرجال _إلا من رحم ربي_ يعامل المرأة كدمية.. جسد... تحفة أثرية... قليلون هم من يبحثون عن فكر وطموح... الطموح في المرأة العدو الأزلي للرجل... الرجل الشرقي مهما تحضر يشعر بداخله دومًا أنه الأفضل فقط لكونه رجل... فكيف لكائن أقل منه أن ينافسه أو يناقشه؟
فماكان منى إلا أن قلت لها: ليس كل الرجال كذلك.. وقبل أن أكمل قالت: أتفهم هذا جيدًا وأنا قلت لكِ... إلا من رحم ربي.... من المؤكد أنه يوجد هذا النوع الذى يقدر عقلية المرأة.... لكن حينما يصبح هؤلاء هم الأغلبية في المجتمع... حينها سأحلم بإنجاب أنثى. المشكله ليست فقط في الرجال... فهو مرض متفشي في المجتمع... فمنذ بدء الخليقة وحواء ينسب لها كللللل خطيئة... فنزولنا من السماء إلى الأرض كان السبب فيه حواء ورغم أن القرآن برأ بآياته حواء من كل هذه التهم حيث قال: "فوسوس لهما الشيطان"... وقال في آية أخرى: "فوسوس له الشيطان" ولم يذكر أبدًا "فوسوس لها" إلا إنهم لازالوا يصرون على جعلها "شماعة" لكل خطيئة. نحن ياعزيزتي في بلد هي بالأساس بلد "الرجال"... فلو ارتكب الولد والبنت نفس الخطأ تنهال الشتااااائم على البنت ويترك الولد فقط لأنه ولد! وتتردد الجملة اللعينة على مسامعنا "بس ده ولد ... لكن انتي بنت!.. حينما تسيرين في الشارع: هل شعرتي ذات يوم أن الشارع ملكك؟.."؟.. لم تنتظر جوابى وأكملت: "انظري لمعظم الفتيات اللاتي يسرن في الشوارع... تأملي نظراتهن وطريقة سيرهن... دائمًا ما تسير الفتاة في الشارع وهي تخشى كلمة بذيئة تسمعها من أحدهم... أو نظرة خادشه للحياء... هي تشعر دومًا أنها معرضة للإهانة... وهو لا يدري أبدًا أنه بكلماته قد يجرحها ولكن كل هذا لا يهم... لأنه يشعر أن الفتاة ليست سوى دمية يغازلها... أو حتى يهينها... لا يهم."
قلت لها وقد انتابنى الحزن : "وماذا أيضاً ؟".. "الأنثى دائمًا في نظر المجتمع _ ليس فقط الرجال _ مثل الطماطم... كائن له فترة صلاحية... فإذا لم يتزوج الرجل.. أصبح شيئًا عاديًا ويطلقون عليه أعزب... أما إذا لم تتزوج الفتاة... تكثر الأقاويل والإشاعات والهمز واللمز ويلقبونها فورًا بالعانس.... وكأن الله خلقها فقط للزواج... وكأنها إن لم تتزوج ستضيع ماخلقت لأجله وستهدر حياتها بيديها.... وكأنها لا يحق لها هي الأخرى أن تعمل وتنجح في عملها مادامت لم تجد الشخص المناسب... وإذا دافعت بعدم توافر هذا الشخص حاليًا في الأسواق انهالوا عليها بجملتهم البغيضة "ضل راجل ولا ضل حيطة". وإذا وصلت لسن معين... وفقدت رونقها وجمالها وجاذبيتها.... يحكم عليها بالإعدام ويجرى البحث عن أخرى أجمل. ألم أقل لكِ يعاملوننا كدمى؟... ناهيك عن وصمة العار التي تلحق بها إذا طلقت وكأنها فعلت جريمة شنعاء فتتبادل سيرتها الألسنة. ما لا يعلمه الرجال... أن المرأة لا تحتاج لقوانين خلع... أو منظمات حقوق الأسرة والطفل... ولا تريد محاربته أو منافسته... هي فقط تريد احتوائه لها.... تريد احترامه لعقلها.... تريد أن يكن هو سندها وليس خصمها... فالحياة نشأت بتكاملهما وليس بتنافرهما.... تتمنى أيضًا من المجتمع أن يشفى من أمراضه وينظر إليها كإنسااااااان له حقوق وعليه واجبات.
لأجل كل هذا ياصديقتى العزيزة أدعو الله ألا يرزقنى ببنت.... وربما لأجل كل هذا... كانت آخر وصيه للرسول _عليه أفضل الصلاة والسلام_ " استوصوا بالنساء خيرًا "
 
كتاب المئة تدوينة. Powered by Blogger.

التصنيفات

القائمة الكاملة للتدوينات

 

© 2010 صفحة التدوينات المرشحة لكتاب المئة تدوينة