منتهى الوُدِّ منه أن يوقظَك في عتمة الليل على اشتياق إلى صلاة، فتقتادك قدماك إليه دون أن تتوقف أنت للمفاضلة بين سرير وثير وأرض قاسية. منتهى الود منه أن يدفعك كالمسحور إلى حيث قد ركنت مصحفك واعتلته الأتربة؛ لتزيح أنت عنه الغبار، وعن قلبك الصدأ.
منتهى الود منه أن ينفض عنك الناس وينصرف كل إلى شأنه حتى تظن أنك وحيدًا وتستوحش وجودك، وتنزوي في ركن مظلم منك، فيجذبك هو إليه برفق ويفتح لك بابًا قد نسيته. منتهى الود منه أن يشرق عليك بصفات جماله ويمدَّك منها بنفحة تسكن في جنبات روحك، فتصبح وقد ذاب قلبك رقة وفارقتك القسوة والغلظة فانسكبت من عينيك دموعُ التائه الذي عثر على الدرب، بعد تخبط طال ظن أنه الهلاك. ومنتهى الكرم منه أن يسمح لك أنت على قدرك الضئيل أن ترى قبسًا من نوره فيَلهج لسانُك بذكره ليلاً نهارًا.
الحنان المنان اللطيف الخبير الودود.. تعصف بك الظنون ويضنيك الانتظار فيرسل لك من يذَكِّرك "وَلَسَوْفَ يُعْطِيك رَبّك فَتَرْضَى". وينال منك اليأس حتى تكون قاب قوسين أو أدنى من الاستسلام، فيبعث إليك من يعَلِّمك "وقد يفتح اللهُ بابًا نظنه -من شدة اليأس- أنه خلق بلا مفتاح".