رغبات

كانت كالحلم...
وجهها الهادئ وفستانها الأسود، هذه أعلى جرعة رأيتها من الجمال...
لم تكن تتكلم أبدا، تعلم كم أن عينيها معبرة عن كل شيء في نظرة واحدة، معبرة عن الحياة بأسرها...
أنا أيضا كنت عاجزا عن الكلام، فقط عيناي تفيض بالتساؤلات...
تساؤلات تدرك هي إجاباتها فورا...

- كيف جئت هنا؟
- جئت في لا وقت.
- متي تعلمت رقصة التانجو ؟
- إنني لم أرقص في حياتي قط.
- لم تتعلمها، لكنك ترقصها الآن فحسب.
- لكني لست من هذا النوع ، أنا ضد شيء كهذا، كيف يسمح رجل لنفسه أن...
- التشدق بالفضيلة ليس بالحديث المثالي في موقف كهذا، أنت رجل غريب حقا.
- لكن هذا خطأ.

تلف برشاقة مبتعدة عني فأكتشف أنها ترقص حافية كل هذا الوقت، ثم تعود مقتربة بذات النظرات...

- الخطأ هو أن تعذب نفسك بالشعور بالذنب في خضم الخطيئة، تعلم مثلما أعلم أننا لن نتوقف عن الرقص مهما شعرنا بالإثم.
- أنا لست بآثم، ولم أطمح يوما للرقص مع فتاة جميلة مثلك.
- لأنك تشعر دائما بأنك أقل من أن تحلم بذلك، وتتعالي بهذا دائما محاولا إقناع ذاتك بالترفع عن الخطايا.
- ماذا تقصدين؟
- أنت لم ترقص معي يوما لا لشيء إلا لأنك لم تتصور إمكانية حدوث ذلك.
- أنت شيطانة.
- وأنت تضيع استمتاعك بهذه اللحظات حقا، كل الناس تخطئ.
- ويتوبون.
- في عمق الخطيئة؟ لا أظن، ربما يشعرون بالذنب مثلك لكنهم ينحون كل ذلك جانبا عالمين أنهم فيما بعد سيجدون الوقت الكافي للندم.
- هذا غير صحيح.
- لكنه ما يحدث.

هنا أدفعها لتقع علي الأرض وأصرخ فيها قائلا:

- لا، هذا يحدث ولكن ليس معي.

توقف الجميع عن الرقص ونظروا لي باستغراب، وماهي إلا ثوان حتي وجدت نفسي مطرودا خارج الملهى...
كيف جئت إلي هنا من الأساس ؟
_____________________________
ليلة أخرى، رقصة جديدة...
ذات الفتاة...
-من تكونين؟

-أنا رغباتك.

-مستحيل، إن رغباتي أبعد ما تكون عن هذا.

-حقا ؟ هل تظن أنك تعرف نفسك حق المعرفة ؟

-أنا أعالج نفوس البشر كيف لا...

تشير بعينيها نحو أحد الراقصين قائلة...
-أليس هذا أحد مرضاك ؟

-مستحيل ، لقد كانت مشكلته الأولي...

-نعم نعم الخجل من النساء.

-كيف تفعلون ذلك برجل محترم كهذا ؟

-هل رأيت؟ أنت معجب بكونه خجولا، تراه عملة نادرة و من الخسارة أن تعالجه من شئ كهذا.

-كنت أعالجه و لكن بحدود.

-حدودك هراء تقيد به نفسك والآخرين، هل تري كم هو سعيد؟

مرة أخري أدفعها لتقع علي الأرض..
و مرة أخرى أجد نفسي مطرودًا من الملهي..

_________________________
ليلة أخري ، رقصة جديدة...
ذات الفتاة..

- لماذا أعود إلى هنا؟
- لا أحد يقاوم رغباته.
- هل أنا بهذا السوء حقًا داخلي؟
- ليس بشكل كلي، إما أنك ضعيف أمام رغباتك أو أن رغباتك أقوى من أن تقاومها.
- كيف أخرج من هنا؟

تبتسم وتقترب من أذني هامسة...

- اقتلني.
- هكذا ببساطة؟
- هكذا ببساطة.

ساد بيننا رقص صامت للحظات، ظلت هي محتفظة بنظرتها الواثقة وابتسامتها المستفزة، بينما استغرقت أنا في تأملها لبضع دقائق مفكرًا... كان بإمكاني قتلها فيما سبق ولكني لم أفعل، كنت أدفعها بعيدًا وأغادر، كأني أعلم أني سأحتاجها وأعود لها ثانية...

- تبًا لكِ، تعلمين أني لا أستطيع قتلك.
- ماذا يمنعك؟
- لا أدري، ربما... ربما لأنك رائعة.

تتسع ابتسامتها أكثر وتقول:

- إذن ربما تكف الآن عن الإدعاء بأنك تكرهني، ودع الندم لما بعد الرقص.

ساد الصمت بيننا لفترة طويلة، وحينها أدركت أنني لن أكف عن الرقص معها أبدا، ولن أجد وقتًا للندم أبدًا..
بل وربما أصابني الندم علي أيام فاتت بدون الرقص معها..


الكاتب:  حسني محمد المدوّنة: من مذكرات مريض نفسي
 
كتاب المئة تدوينة. Powered by Blogger.

التصنيفات

القائمة الكاملة للتدوينات

 

© 2010 صفحة التدوينات المرشحة لكتاب المئة تدوينة