إبراهيم حمَّالات

حسنًا..لديّ اعتراف دعني أبدأ به... فأنا أقدّر هذا الرجل وأعي جيدًا أنّه موهوب. أقرأ سطوره بنهمٍ شديد وأحاول تتبع برنامجه التلفزيوني رغم أنّي لست تلفزيونيًا! وليس هذا الإعجاب وليد اليوم أو الأمس القريب, فأنا من دراويش إبراهيم عيسى منذ الإصدار الأول للدستور, تستطيع القول بأنّي دستوريًا منذ أمدٍ ليس بقريب. ربما تأثر إعجابي قليلاً بروايات بعض الأصدقاء ممن عملوا في بلاط صاحبة الجلالة تحت يديه.. فهو -بحد وصفهم - شديد الاعتداد بذاته, يستأثر لنفسه بكل شىء ولا يكترث كثيرًا لمن يعملون تحت يديه ومعه من شباب المحررين والصحفيين. أتحدث قطعًا هنا عن الجوانب المادية, أضف إلى ذلك ألا صوت يعلو فوق صوت إبراهيم عيسى في جريدةٍ يرأس تحريرها! فهو الكل في الكل وسبع البرمبة والمراجع والمدقق والرأى الأول والأخير منه وإليه!

لست هنا لأقيّم الرجل أو للحديث عنه باستفاضة, ربما كانت هذه المقدمة لأصوغ مبررات -دستوريتي- إن جاز التعبير. ودعني أزيد، فأدّعي أن إبراهيم عيسى أحد من شكلوا وعي ووجدان جيل الغضب المصري، والذي يشرفني انتمائي له, وهو الجيل الذي أطلق شرارة الثورة المصرية ونزل إلى الشارع يوم 25 يناير فلم يخذله الشعب المصري وسار معه وخلفه مطالبًا بالتغيير. فمقالات إبراهيم عيسى خلقت بدرجةٍ أو بأخرى هذا الغضب بداخلنا والانتظار لتلك اللحظة التى سيخرج فيها هذا الغضب ليطلب التغيير ولا شىء غيره.

أذكرني في ميدان التحرير وقد مرت بخاطري مقالته الشهيرة: "عزيزي المواطن أنت قرني". وكأني أقول لنفسي: لا، لست -قرنيًا- وسيرى العالم ذلك, تمامًا كما جالت بخاطري "جحا" و"مش باقى مني" وصورة خالد سعيد -رحمه الله- ومشهد النهاية من "هي فوضى" أو مشهد البداية من "حين ميسرة" وغيرها من مولدات الغضب -كما أسميها- شعرًا ونثرًا وأدبًا ومقالات ومقاطع يوتيوب أو مشاهد سينمائية. لذلك كله أزعجني الوصف والتعليق لصديقٍ ينتمى سياسيًا للتيار الإسلامي الأقوى في مصر الآن, كنت أحدثه عن حلقة لإبراهيم عيسى عن السلفيّة أو الوهابية، أيهما تشاء. قال صديقي ساخرًا: إبراهيم حمّالات؟ سأختصمه يوم القيامة بسبب تطاوله على الصحابة وتشكيكه في صحيح البخاري.! كان وقع الكلام علىّ شديدًا, فصديقي كان دستوريًا مثلي قبل الثورة، بل كان شديد الإعجاب بجرأة إبراهيم عيسى وموهبته، بل وخفة ظله!! وللحق، فلقد كان إبراهيم عيسى جريئًا حقًا!

كانت دومًا الدستور سليطة اللسان, خارجة عن المألوف والمتبع من المعارضة المستأنسة, وكانت تُتّهم بأنها منبر للإخوان المسلمين, إضافة إلى الاتهام بالتسويق السياسي للتشيع في مصر. وكانت الدستور تنشر مقالات أعلام الإخوان وأقطابهم, إبراهيم عيسى نفسه كان منصفًا لحد كبير عند حديثه عن الإخوان. رصدت هذه اللحظة وهذا التحول لأضيف علامة استفهامٍ جديدة لما أملك من علامات استفهام تخص الإخوان بعد الثورة. هو نفس التحول الغريب ربما, ونفس الازدواجية، وكأنهم تبدلوا بعد الثورة وصاروا إخوانًا آخرين غير الذين ألفناهم واعتدناهم قبل ذلك.

أليس هذا إبراهيم عيسى نفسه الذي كان يوصف بالجرىء والأكثر قدرة على نقد النظام؟ ألم يكتب في الدستور محمد عبد القدوس وعصام العريان وغيرهم من مفكري الإخوان؟ أكانوا يكتبون في جريدة تسب الصحابة وتطعن في صحيح البخاري وقبلوا هذا على أنفسهم؟
ألم يكن يتطاول على الصحابة -كما يدعون- قبل الثورة؟ ألم يكتب عن صحيح البخاري وأحاديثه قبل الثورة؟؟

لست هنا بصدد الغوص في أعماق كتابات الرجل لنقدها أو لتفنيدها والبحث في اتهام الرجل بالتشكيك أو بالتطاول. ولا أريد الهجوم من أجل الهجوم فقط على الإخوان أو غيرهم من تيارات الإسلام السياسي المصري. ما يشغلني هنا هو هذا التحول وهذا التغير السياسي الرهيب للإخوان ولتيارات الإسلام السياسي عمومًا بعد الثورة!. أيّ مبادىء تلك وأي مشروعٍ هذا الذي يتحول بين ليلةٍ وضحاها على هذا النحو؟ فيعيد ترتيب كل ما يختص به، حتى تقييمه ورؤيته للواقع السياسي المصري، بل ورؤيته الشخصية لكاتبٍ أو صحفي. فيتحول من حليف ومصدر تقدير وإعجاب، إلى إبراهيم حمالات الطاعن في السُّنة والمشكك والمجترئ على الصحابة!.

ستقول لي: هذا رأي شخصي فلم تعممه؟ وأرد هنا أن الموضوع أكبر من مجرد رأي شخصي لصديقي, فالإخوان الآن أكثر حدة وراديكالية وأكثر قدرة على التقسيم السياسي "من معنا ومن مع الناس التانيين", نرى هذا ونشاهده يوميًا بعد الثورة، ولا نملك سوى تسجيل المزيد من علامات الاستفهام! زد على ذلك أن التباين والاختلاف بين منتسبي الإخوان ضيق نسبيًا, غالبًا لا تجد تباينات في آراء الإخوان, لا تجد يمينًا ووسَطًا ويسارًا، واضِحو المعالم كما هو مألوف في التيارات السياسية أو الفكرية. شغلني هذا التحول ولا زال, فمهما تباينت بيننا الرؤى وتباعدت المسافات, هم الفصيل السياسي الأقوى في مصر الآن, ومستقبل مصر السياسي يتوقف بدرجة أو بأخرى عليهم. هل لأنهم لم يملكوا هذا الترف السياسي وهذه القدرة وهذا الصوت العالي قبل الثورة, وبالتالي لم تكن مواقفهم بهذه الراديكالية والحدة والتبدل؟ هل هو تطوس وقتي سيذهب لحاله؟ هل هي حالة تمدد مقبولة وطبيعية بعد انكماش وبيات شتوي طويل؟ أم أن المشروع قد تبلور وأصبح الآن قاب قوسين أو أدنى وعلينا أن نلعب بشروطهم؟

نفسه صديقي هذا كان يقول إن السلفية فكرٌ خاطىء، هذا قبل الثورة طبعًا! الآن تبدل وأصبح يعنفني لانتقادي لموقف السلفيين قبل وبعد الثورة, أصبح صديقي الإخوانى مدافعًا عن السلفية وأخبرنى أن الكثير من أقطاب السلفية ومراجعها كانوا لا يحرّمون المظاهرات، بل وكانوا يدّعون إلى مقاومة الظلم والبطش.

تظل علامات الاستفهام كثيرة وشبه يومية ونظل بلا إجابات شافية!.. سبحانه يغير ولا يتغير!..
و"ياما في الجراب يا حاوي"..!
 
كتاب المئة تدوينة. Powered by Blogger.

التصنيفات

القائمة الكاملة للتدوينات

 

© 2010 صفحة التدوينات المرشحة لكتاب المئة تدوينة