ما الذي يمكن أن يكون بداخل هذا الدفتر؟
طوال اليوم وهي تفكر ماذا بداخل الدفتر الذي وجدته، ولماذا كان ملقًى هكذا. لكنها لم تتحمل المزيد من الفضول وقررت أن تقرأه فهي في كل الحالات لن يمكنها أن تجد صاحب الدفتر، مما لن يجعل من قراءتها له انتهاكا لخصوصية الآخرين، وربما لو قرأته وجدت بداخله ما يساعدها على الوصول له.
في المساء أحضرت الكشكول وبعد تخطي الغلاف والصفحة الأولى كانت الصفحة التي تليها كالآتي:
في الأعلى مكتوب: "القسم الاول" وفي المنتصف: "في الطفولة. وفي الصفحة التي تليها كان مكتوب عدة أسطر تقول:
- مرت أيام الطفولة.. بل سنين الطفولة فمرور السنين في أيام لا يطلق إلا على اللحظات السعيدة التي تمر سريعًا، أما طفولتي فمرت طويلة وبطيئة، وأيضًا حزينة. حتى سنيني الأولى لا يليق بها أن توصف بــ "الطفولة" الأجدر لها أن توصف بــ "الماسأة"
ربما عليَّ أن أعيد صياغة الجملة حتى يمكنني أن استكمل بشيء من الصدق.
طوال اليوم وهي تفكر ماذا بداخل الدفتر الذي وجدته، ولماذا كان ملقًى هكذا. لكنها لم تتحمل المزيد من الفضول وقررت أن تقرأه فهي في كل الحالات لن يمكنها أن تجد صاحب الدفتر، مما لن يجعل من قراءتها له انتهاكا لخصوصية الآخرين، وربما لو قرأته وجدت بداخله ما يساعدها على الوصول له.
في المساء أحضرت الكشكول وبعد تخطي الغلاف والصفحة الأولى كانت الصفحة التي تليها كالآتي:
في الأعلى مكتوب: "القسم الاول" وفي المنتصف: "في الطفولة. وفي الصفحة التي تليها كان مكتوب عدة أسطر تقول:
- مرت أيام الطفولة.. بل سنين الطفولة فمرور السنين في أيام لا يطلق إلا على اللحظات السعيدة التي تمر سريعًا، أما طفولتي فمرت طويلة وبطيئة، وأيضًا حزينة. حتى سنيني الأولى لا يليق بها أن توصف بــ "الطفولة" الأجدر لها أن توصف بــ "الماسأة"
ربما عليَّ أن أعيد صياغة الجملة حتى يمكنني أن استكمل بشيء من الصدق.
مرت سنيني الأولى المأساوية بكل ما تملك من معاناة وكأنها تمر في العقد الرابع لشاب قابل في الحياة ما قابل من مشاكل ومصاعب زرعت فيه قوة وصمودًا يمكنه من خلالهما أن يواجه الحياة بكل معاناتها، أما طفولتي فماذا كانت تملك لتضعها الحياة في اختبار مع المعاناة؟ لولا وجود بعض الأشخاص في حياتي.. أعتقد أنه كان يمكنني أن أكون سعيدة بطفولتي وفيها.
ثم انتهى الكلام في القسم الأول وامتلأت باقي صفحاته بالبياض.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثم انتهى الكلام في القسم الأول وامتلأت باقي صفحاته بالبياض.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في بداية صفحة القسم الثاني كان في الأعلى مكتوب "القسم الثاني" وفي المنتصف "في المراهقة"
وفي السطر الذي يليها كان مكتوب كلمة "أنا" بخط صغير للغاية، ثم بدأ الحديث عن هذه المرحلة في الصفحة التالية:
- في هذه المرحلة كنت شيئًا بحجم كلمة "أنا" أو لأكون أكثر صراحة كنت لا شيء يحتل دون داعٍ حيزًا بجانب إحدى الطالبات سواء في المدرسة أو في الدرس الخاص. أما عن الأصدقاء والعائلة فمكاني بينهم كان يشبه قطعة البازل التي أخطأ أحدهم مكانها، ولأنها أيضًا كانت تحتل الركن البعيد الذي لا يهتم به أحد لم يلحظ أي منهم أنها في المكان الخطأ. لو اهتممت بأمر نفسي أكثر من اللازم أعتقد أنه كان يمكننى أن أكون أفضل.
انتهى الكلام بعد هذا السطر وغطى السواد باقى الصفحات؛ لأن القسم الثاني من الدفتر كانت أوراقه باللون الأسود عكس القسم الأول.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في بداية صفحة القسم الثالث كان في الأعلى مكتوب "القسم الثالث" وفي المنتصف "في الشيخوخة"، ثم رسم سهم كان مكتوب أعلاه كلمة "استثناء" وبجانب السهم كان مكتوب "لسبب ما لم تمر حياتي بمرحلة الشباب" وفي الصفحة التالية بدأ الحديث:
- لم تكن هذه المرة هي المرة الأولى التي تخذلني فيها الحياة، ولكن هذا الخذلان هو الأول. ربما الحياة معها الحق في ألا تمنحني هذا الجزء من حياتي؛ فأنا لا أعتقد أنه بطفولة مأساوية ومراهقة سيئة يمكن لي أن أمر بمرحلة الشباب بسلام، فمن يحمل ذاكرتي كيف له أن يتجرأ ويطلب السلام والراحة.. من هم مثلي لهم كل الشقاء.. حتى ولو لم يرتكبوا ما يستحقه.
وعلى الرغم من ذلك لا أنكر أنني أحيانًا أتمنى لو أني مررت بمرحلة الشباب حتى ولو كانت حربًا. لو أنني تحملت أموري بدلا من وصاية الحياة عليَّ أعتقد أنه كان يمكنني أن أكون في راحة.
انتهى الكلام بعد هذه الأمنية، وانتهى معها أيضًا الدفتر ما عدا القسم الأخير منه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في بداية صفحة القسم الرابع والأخير كان في الأعلى مكتوب "القسم الرابع" وفي المنتصف "قبل الموت". الصفحات الأولى في بداية القسم كانت فارغة ثم بعدها بدأ الحديث:
- لا يفصلني عن الموت إلا عدة آلام.. حينما تنتهى سأنتهي معها.. الخوف.. الفشل.. التجاهل.. المرض.. الكره.. اللا شيء.. البكاء.. المعاناة.. الوحدة.. كلها مرادفات للألم. حقًا أتساءل ما الذي لم أعانيه حتى الآن؟ وما الذي سيوجعني بعد الآن؟! أما الآن.. فلا يوجد أمامي إلا أن أانتظر الألم لأعانيه حتى ينتهي وانتهي معه. لولا أنني أدركت مبكرًا أننى في النهاية سأنتهي للموت أعتقد أنه كان يمكنني أن أكون أقوى.
انتهى الكلام باستثناء ما كتب في الصفحة الأخيرة من الدفتر:
ربما بعد الموت يمكنني أن أكون سعيدة بنعيم الآخرة، وربما أكون أفضل بمفردي أو معي بعض الهاربين من الحياة. طوال الوقت أدعو الله أن تكون الجنة نهاية قدري لأحيا الراحة.. أنا للموت والموت للكل.. أما السعادة والراحة الأبدية فلمن يستحق.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
انتهى الدفتر.. وانتهى المساء.
الكاتب: | سمية كمال الدين | المدوّنة: | star in the sky |