ذكرى ميلاد

في الذكرى الأربعين لميلادى كتبت قصيدة، تأخر نشرها ثلاثين عامًا أخرى لألقيها اليوم على أسماعكم نزوة جديدة. سنوات أربعون مرت مخلفة أوهاما أكثر مما تركت من أحلام، وعرفت فيها أحزانا أكثر مما خالطت من سعادة.
أربعون عاما عاشها بعض إنسان ولد ملعونا بالمعرفة - تصحيح - بالرغبة فى المعرفة، وحين كان على العتبات نظر من ثقب باب فعاد يتمنى الجهل بعد أن صار ترفا، وعاش بعقل نصف جاهل يقاتل نصف مجنون.
فى عامي الأربعين كان حقا علىّ الاعتذار لنساء كُثُر، فمنعني الكِبْر. ثم حين فقدته -بين أشياء أخرى- منَعنى الكِبَر، واختلطن في ذاكرتي قبل غيرهن من الأشياء. وكان حقا عليَّ الاعتذار لجسد استعترته لحياة فمزقته قبيل نصفها، ومضيت أجرجر أعضاء سعيا لنهاية لا أخافها.
وكان عليَّ قبيل الأربعين مصافحة الموت بِوُدّ غير مفتعل، فكم حياني من بعيد بإشارات حانية، وكنت كلما ركضت وراءه نظر خلفه وابتسم، "أن ليس الآن.. فافهم"، فابتسمت.. واحترفت الغناء.
فى سعيي الحثيث نحو الأربعين أدميت ساقيَّ فأكملت الطريق زحفا، وإن كان الرأس مرفوعًا والقامة منتصبة لم تزل، والعمر يمضي.. والأمل. يخفت ضوء الذكرى، وتفيق العين لحظة، لترى بعضا من الآتي، وكل ما فات.
في عامي السبعين، تذكرت قصيدة كتبتها لعامي الأربعين، فلم أجد لها ورقا فارغا في الذاكرة، فوأدتها، حتى مُحيَت -رغما عني- سطور، فكتبت في الفراغات المتفرقة ما لم يستحق جمعه كل هذا العناء.


الكاتب:  أحمد علي إبراهيم المدوّنة: إحساس
 
كتاب المئة تدوينة. Powered by Blogger.

التصنيفات

القائمة الكاملة للتدوينات

 

© 2010 صفحة التدوينات المرشحة لكتاب المئة تدوينة